Monday, January 9, 2017

نظرية العالم مسطح لتوماس فريدمان والموجة الثالثة ل الفين توفلير

بن عاتق 
1/9

صحفي النيويورك تاميز الشهير توماس فريدمان له كتاب شهير ونظرية تدرس في العلوم السياسية تقول ان العالم مسطح. تسطيح العالم في نظرية توماس ليس جغرافياً كما كان يعتقد البشر لقرون طويلة ( ولازال بعضهم الى اليوم يعتقد بذلك نظراً للامية العلمية) ولكن هو تسطيح اقتصادي اجتماعي ان صح القول. القى توماس فريدمان عدة محاضرات حول الكتاب يشرح فيها النظرية وكيف توصل اليها وكيف سوف يكون المستقبل وفقاً لتلك النظرية. في  2012 (من تاريخ الفديو استخلصت التاريخ قد يكون قبل ) و في جامعة جورج تاون (فرع قطر ) القى توماس محاضرة حول هذا النظرية وهذا الكاتب. شاهدت تلك المحاضرة واود ان الخص اهم نقاطتها مع بعض الاضافات التاريخية الخاصة بي

نظرية العالم المسطح لتوماس فريدمان تتحدث تحديداً عن العولمة, واثر العولمة على حياة البشر وكيف ان العولمة في العصر الحديث تختلف عن العولمة في القرون السابقة, اولاً يقسم توماس فريدمان العولمة الى ثلاث مراحل او ثلاثة اشكال

اول شكل للعولمة كان من القرن الخامس عشر الى القرن الثامن عشر, وكانت هذه العولمة بقيادة الدولة او الامبراطورية في ذلك  الزمان. هذه الفترة تحديداً شهدت اكتشاف العالم الجديد متمثل بالقارة الامريكية سواء الشمالية او الجنوبية, وايضاً اكتشاف رأس الرجاء الصالح على يد البرتغالي بارثولوميو دياز عام 1488, ومن ثم تلت ذلك رحلات المستكشف البرتغالي فاسكو دي جاما والذي اكتشف خط الملاحة بين اوربا والهند دون الحاجة الى استخدام خط الحرير الذي كان يسيطير عليه المسلمون, وذلك من خلال الالتفاف من رأس الرجاء الصالح  الذي ربط المحيط الاطلسي بالهندي وسهل حركة التجارة بين القارات. اكتشاف العالم الجديد على يد الايطالي كولومبس في 1492 بتكليف من الملك الاسباني فيردناند  كان من اكبر الاحداث في تاريخ البشرية والذي نرى آثاره الى اليوم في حياتنا. قد تبدو هذه الامور عادية وطبيعية بالنسبة الى عالم اليوم ولكنها كانت اكتشافات عظيمة بمقايس ذلك الزمان نظراً للامكانيات المحدودة جداً في وسائل النقل الخاصة بذلك الزمان. اكتشاف العالم كان المحرك لحركة الاستعمار التي طغت على الكوكب منذ ذلك الزمان وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية, وكانت سبب رئيسي في هجرات بشرية ضخمة واعادة تشكيل شعوب واعراق. خرج الاوربيون من قارتهم الصغيرة والمزدحمة ليستعمروا الكوكب سواء في العالم الجديد متمثل بامريكا او استراليا او حتى افريقا وآسيا كالهند. كان للامبراطوريات الاسبانية والبرتغالية السبق في ذلك الزمان, ولاحقاً دخلت هولندا لتنافس البرتغال في الشرق في خطوط الملاحة البحرية. يقول توماس ان تلك الموجة الاولى من العولمة صغرت حجم الارض من كبير الى متوسط. وهو تصغير يقصد به وجود خطوط مواصلات وتقنيات جديدة للنقل تسهل حركة الهجرة البشرية وخطوط التجارة ونقل الموارد

الشكل الثاني للعولمة وفقاً لفريدمان هو من بداية الثورة الصناعية في انجلترا في القرن الثامن عشر حتى العام 2000. هذه العولمة وفقاً لفريدمان كانت تقاد من الشركات وليس الدول كما في حال الشكل الاول من العولمة التي كانت تقودها الدولة. يقول ان دور الدولة كان مهماً ولكن دور الشركة كان اكبر وضرب امثلة على شركة الهند الشرقية سواء الهولندية او الانجليزية, وان كان تاريخ ونشاط تلك الشركات يعود الى الفترة الاولى من اشكال العولمة ولكن النشاط الاكبر لدور الشركة تحديداً تزايد مع مرور الوقت. نلاحظ في هذا الشكل من اشكال العولمة تزايد الدور الاقتصادي للشركات في المستعمرات واكتشاف العالم للحصول على الموارد. ظهرت قوى جديدة على المسرح العالمي مع هذا الشكل من اشكال العولمة مثل بريطانيا, فرنسا والمانيا وتراجعت واضمحلت امبراطوريات كان لها السبق في الشكل الاول من اشكال العولمة مثل الامبراطورية البرتغالية والاسبانية. هذه الفترة وكما يقول فريدمان جعلت العالم يتقلص من متوسط الحجم الى صغير الحجم نظراً لتطور تقنيات النقل والاتصالات في هذه الفترة. هذه الفترة شهدت اهم الاخترعات في تاريخ الانسانية والتي ثورت وغيرة حياة الانسان الى الابد. شهدت هذه الفترة الثورات الصناعية التي افرزت النظام الرأسمالي الصناعي بعد قرون من النظام الاقطاعي الزراعي وهذا ادى الى تعزيز دور الشركات في البحث عن الموارد  وازدهار العبودية خصوصاً في العالم الجديد في مزارع القطن والتبغ التي كانت تنعش التجارة بين اوربا والعالم الجديد. في اوربا في تلك الفترة احتدم الصراع بين المصالح الاستعمارية بين الاقطاب الاوربية, فرنسا وبريطانيا والمانيا القطب الجديد الصاعد في ذلك الحين والتي كانت تملك صناعة حديثة متطورة في اواخر القرن العشرين. على سبيل المثال, رأت بريطانيا في خط بغداد برلين والذي يربط المانيا بالامبراطورية العثمانية وصولاً الى مياه الخليج العربي تهديد لمصالحها في الشرق الاوسط, كان يخطط لهذا المشروع في 1872. كان دويتشه بنك(البنك الذي يقف خلف القوة الالمانية الصاعدة) هو الممول لذلك المشروع والذي ادى لاحقاً الى الحرب العالمية الاولى بين بريطانيا وفرنسا وروسيا من جانب والمانيا والدولة العثمانية من جانب آخر. [1]. هنالك الكثير من التفاصيل التاريخية حول اسباب الحرب العالمية الاولى, لكن بلا شك الحروب على الموارد وخطوط التجارة كانت من اهم اسباب تلك الحرب. كانت الرأسمالية الالمانية ترغب في الوصول الى الخليج العربي  لتستطيع الوصول الى مستعمراتها الافريقية, ويقال ايضاً ان اكتشاف النفط في اواخر القرن العشرين واستخداماته في الصناعة  والتوقعات بشأن منطقة الخليج وانها تحتوي على النفط اشعل الحرب بين المانيا وبريطانيا حتى وصلنا الى الحرب العالمية الاولى. كانت امريكا في ذلك الوقت لاتزال قوة في محيطها ولم تخرج الى المسرح العالمي بعد, حتى مشاركتها في الحرب العالمية الاولى كانت خجولة ومتأخرة جداً. اتت فترة مابين الحربين والتي كان ابرز احداثها صعود الفاشية في ايطاليا, الستالينية في روسيا والنازية في المانيا. اتى الكساد الكبير في اواخر العشرينات وجر الاقتصاد المعولم الى ركود قاد لاحقاً الى الحرب العالمية الثانية. في الشرق كانت تتوسع الامبراطورية اليابانية وتهيمن على شرق اسيا وصولاً الى اسيا الوسطى في منطقة منشوريا. اندلعت الحرب العالمية الثانية وتفجرت الثورة الصناعية مرة اخرى في سباق تسلح لم يشهد له الانسان مثيل في تاريخه الطويل. برزت امريكا ومعها الاتحاد السوفيتي كاقطاب جديدة على المسرح العالمي في نهاية الحرب العالمية الثانية. انتهى دور الامبراطوريات القديمة التي كانت تلعب الدور الرئيسي في فترة ماقبل الحرب العالمية الثانية مثل الامبراطورية البريطانية, الفرنسية, اليابانية والالمانية. اضمحلت هذه الامبراطوريات كما اضمحلت الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى والامبراطورية البرتغالية والاسبانية قبل الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر. بدأت الحرب الباردة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية, وهي حرب لاتختلف في بعدها الاقتصادي عن الحروب التي سبقت الحرب العالمية الثانية. كانت الحرب الباردة بين الشركات الامريكية تمثلها الدولة الامريكية من جانب, وبين رأسمالية حكومية في الاتحاد السوفيتي تمثلها الدولة السوفيتية. انتعشت الحروب حول موارد النفط واسواق السلاح بين القطبين العالميين وهذا ادى الى تفجر حروب الوكالة سواء في جنوب شرق اسيا او الشرق الاوسط. من الجدير بالذكر ان السعودية كانت في قلب الصراع. وصل السوفييت الى حدود السعودية الجنوبية عندما كان اليمن الجنوبي الاشتراكي في عهدت السوفيت في الحرب الباردة. كان السوفيت ومعهم ناصر يطمعون في نفط الخليج ولكن وجود التحالف الخليجي مع الولايات المتحدة كان العائق الاساسي لتوسع السوفيت والقومية العربية في منطقة الخليج. انهار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات ووضعت الحرب الباردة اوزارها ودخلنا الى مرحلة جديدة

المرحلة الثالثة من العولمة والتي جعلت الارض مسطحة كما يصفها فريدمان في نظريته. هذه العولمة قلصت حجم الكوكب من صغير الى ضئيل. في المرحلة الاولى من العولمة كانت الدولة هي من يقود, في المرحلة الثانية اتى دور الشركة, اما في المرحلة الثالثة فان الافراد هم من يقودون هذا النمط من العولمة. اهم عامل كما يقول فريدمان في هذا النمط المعولم هو اجهزة الكمبيوتر وشبكات الانترنت. يقول ان اختراع متصفح الانترنت في منتصف التسعينات من شركة صغيرة مجهولة في كاليفورنيا كان مثل الانطلاقة لتغيير شكل الانسانية ودخول البشرية الى عصر جديد يكون للافراد الدور الرئيسي فيه. ان شركات مثل ميكروسوفت وابل ماكنتوش اعطت للافراد امكانية ادوات لم يعرف الانسان لها مثيل من قبل. الثورة الرقمية الحديثة وفقاً لفريدمان تطورت بشكل عفوي في التسعينات عندما ذهبت الناس تستثمر في شركات الانترنت بشراء الاسهم وهذا ما ساعد تلك الشركات الى ان تنموا وتكبر بسرعة كبيرة ( لاحقاً في نهاية التسعينات انفجرت مايعرف بفقاعة الدوت كوم وهي هبوط اسهم شركات الانترنت بعد ان وصلت الى القمة مما اغرى المستثمرين بالاستثمار في اسهم تلك الشركات ظناً منهم ان اسعار الاسهم سوف تواصل الصعود. هذا يحدث في كل فقاعة اقتصادية) . الاستثمار في تلك الشركات خلق ماتراه اليوم في العالم الرقمي. التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الثورة الرقمية كما يصفها فريدمان تتمثل في جعل كل فرد يملك تلك التقنية ان يكون كيان مستقل بحد ذاته. الافراد لا يحتاجون الى الدولة او الشركة لترعاهم, بل يستطيعون القيام بذلك بانفسهم بشكل تطوعي وخلق كيانات فكرية,ترفيهية, او خدمية بجهد فردي محض. على سبيل المثال, في السابق كنت سوف احتاج الى ناشر او صحيفة لانشر هذا المقال, اليوم انا لا احتاج احد. بامكاني فقط الدخول الى هذه المدونة ونشر ما اريد في الوقت الذي اريد. انا كفرد مستقل املك الادوات التي تغنيني عن الادوات التقليدية التي كان يحتاجها كاتب قبل عشرين عام او اقل حتى. الفرد يستطيع اليوم ان يقوم بانشاء قناة على يوتيوب يتابعها ملايين الاشخاص حول العالم, بينما القنوات التي ترعاها الدول او الشركات بالكاد تحصل على بضعة آلاف من المشاهدين, بل تحولت الى مايشبه مكاتب للعلاقات العامة. فقط قارن بين قنوات على يوتيوب وبين القنوات الرسمية الحكومية  في حجم المشاهدة. يكفي ان تأخذ معيار واحد لتقارن به وهو الكفاءة الاقتصادية. قنوات اليوتيوب تدر على اصحابها دخل, بينما القنوات الحكومية تستهلك المال ولا تدر شيئاً معتبر وسوف تهلك اذا توقف عنها الدعم الحكومي. ايضاً مثال آخر, وسائل التواصل الاجتماعي. الافراد على وسائل التواصل الاجتماعي قد يحصلون على ملايين المتابعين وهذا يخلق سوق وطلب عليهم مما يزيد في حركة الاعلانات. اتذكر قبل مدة قمت بجولة على الصحف السعودية في تويتر لارى مدى تفاعل الناس معاها, وجدت التفاعل في غاية الضعف, واجزم ان مراهق يتحدث عن فريقه المفضل لكرة القدم يحصل على اعادة تغريد وتفضيلات اكثر مما تحصل عليه تلك الصحف. تويتر ايضاً احد المنصات التي جعلت للفرد كيان مستقل  يتفاعل به مع الآخرين ونفس الحال مع فيس بوك وانستغرام وسناب شات وهلم جر. الافراد اليوم يمكنهم التواصل من اي مكان في الكوكب. ضرب توماس فريدمان مثال وذلك عندما تحدث عن والدته التي تلعب العاب الكمبيوتر مع شخص في سيبيريا, هي في امريكا والآخر في روسيا. انت اليوم تستطيع التحدث مع شخص في البرازيل او استراليا او كندا بتكلفة اقرب الى المجانية. في السابق كان من المكلف ان تتصل بشخص خارج مدينتك, سوف نستعرض في اجزء الثاني من المقال الابعاد الاقتصادية وكيف وصلنا الى هذا. عولمة الافراد حررت الفرد من القيود القديمة مثل وجود راعي وممول واتاحت للفرد ان يسبح في فضائات العالم الرقمي. بطبيعة الحال الامر ليس رومنسياً او مثالياً للافراد. هناك افراد سوف يستفيدون من هذه العولمة, وهناك من سوف يسحقون. الافراد ليسوا متساوين في القدرات والذكاء والموهبة. هناك افراد سوف يزدهرون في هذا العالم الجديد, وهناك افراد سوف يعانون. مثال آخر, في السابق كفنان او مطرب, كنت بحاجة الى شركة انتاج ترعاك وتدعمك. اليوم بامكانك الظهور باقل الامكانيات دون الحاجة الى راعي. في المحصلة, نحن في عالم جديد يتشكل وللافراد الدور الاكبر في  تشكيله. ليس جميع الافراد يستخدمون التقنية بشكل احترافي ويقدمون انفسهم في هذا العالم بمعايير معينة. على سبيل المثال في تويتر, الفرد يستطيع ان يغرد بامور هامشية جداً عن حياته الشخصية مثل الاكل الذي يحب او عن حالة مزاجه,  وشخص آخر يغرد بمعلومة او مقال او حتى خبر حصري وعاجل, وشخص آخر يغرد بامور ترفيهية مثل كرة القدم والافلام, وشخص يستخدم وسائل التواصل للنقاش حول امور اجتماعية و سياسية, وهلم جر. تستطيع ان ترى ان الوسيلة متاحة للجميع بشكل متساوي ولكن ما يخلق الفرق هو الامكانيات الفردية والموهبة للافراد, وهذا هو المعيار الذي يخلق التفاوت. هنالك منافسة مستترة بين الافراد في هذا العالم الجديد, كما كان الحال عليه في المنافسات القديمة بين الشركات ولازال, مثل منافسة ابل وسامسونغ. نعم الافراد يتنافسون في جلب المزيد من الاتباع والبضاعة قد تكون ثقافية او حتى ترفيهية. مثلاً, متابعين كرة القدم يعرفون هذا, في السابق كان بالكاد  ان تجد مغرد واحد مختص بنشر اخبار فريقك المفضل  لكرة القدم , اليوم اجزم ان العدد لا يحصى. لماذا ؟ جميع هؤولاء المغردين يقومون بهذا العمل بشكل فردي تطوعي و السبب وراء ذلك هو في جمع اكبر عدد من الاتباع وهذا ماسوف يجعل التغريد امراً مربحاً وهذا لم يكن لولا الثورة الرقمية. الامر اشبه بالسحر, في عالم جميع من فيه يقومون بهذا العمل او ذاك بشكل تطوعي فردي ان ارادوا مع وجود الامكانية لخلق ارباح من هذا العمل الفردي. اصبح من الطبيعي ان ترى افراد يكونون ثروات مليونية عن طريق التجارة الالكترونية. هذا الفرد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي يقوم بعمل شركة او مؤسسة في السابق لديها عدد كبير من الموظفين. التقنية خفضت التكاليف الى اقصى حد للقيام بالصفقات. سوف تتضح الصورة اكثر عندما نحلل الجانب الاقتصادي لهذه العملية


Alvin Toffler
and the
Third Wave

  
الفين توفلير 1928-2016: كاتب امريكي اشتهر بتنبؤاته حول المستقبل مما جذب انظار قادة العالم اليه مثل الرئيس السوفيتي السابق ميخايل جوربتشوف ورئيس الوزراء الصيني جاو جيانج ورجل الاعمال المكسيكي الثري كارلوس سليم وفقاً لتقرير نشرته البي بي سي بعد وفاة الفين العام الماضي. [2]. تحدث التقرير حول تنبؤات الفين وما تحقق منها. من اكبر الامور التي تنباء بها الفين هو قدوم اقتصاد المعرفة ليخلف الاقتصاد الصناعي. حيث تحدث عن الثورة الرقمية القادمة في  كتبه الشهيرة صدمة المستقبل والموجة الثالثة التي صدرت في السبعينات.(في التسعينات كان من الصعب تخيل عالم اليوم, ولكن هو استطاع التنبؤ بذلك منذ السبعينات حيث يقول  "تكنولوجيا نظم المعلومات المتقدمة تجعل من الممكن لكثير من العمل المجتمعي ان يتم في المنزل عن طريق الكمبيوتر، الاتصالات السلكية واللاسلكية"). ايضاً وضع الفين تعريفاً جديداً للامية في العصر الحديث حيث يقول " الامي في القرن الواحد والعشرين ليس ذلك الشخص الذي لا يستطيع ان يقراء ويكتب, بل أولئك الذين لا يستطيعون التعلم وطرح فكرة واعادة التعلم من جديد". تعريف الفين للامية يتناسب مع اقتصاد المعرفة, حيث ان المعلومة هي المحرك الاساس في هذا العالم. هناك نقاش حول مواضيع اقتصادية حول ماهية الاقتصاد الامريكي كونه الاقتصاد الاكبر في العالم؟ هل نحن في مرحلة ما بعد العصر الصناعي في شكل اقتصادي جديد يسمى اقتصاد المعرفة الذي يقدم الخدمات ولم يعد للصناعة دور كبير به؟ حيث ان الصناعة هجرت الولايات المتحدة وتوجهت الى الجنوب في المكسيك او الشرق الى الصين ودول جنوب شرق اسيا. الفين يقول ان امريكا دخلت اقتصاد المعرفة واصبحت هي الشكل الاقتصادي الجديد للولايات المتحدة. مايكل فنلي اجرى حوار مع الفين توفلير في 90 دقيقة حول نظريته الموجة الثالثة في التسعينات. سوف اقتبس من هذه المقالة وجهة نظر الفين توفلين حول الموجة الثالثة مع اضافات بطبيعة الحال [3]

ماهي نظرية الموجة الثالثة؟ يعتقد الفين ان تاريخ البشر معقد ويأخذ الكثر من الانماط. هناك موجات دفعت البشرية للامام وساهمت في خلق تحولات ثقافية واقتصادية ضخمة. كانت الموجة الاولى وفقاً للنظرية  قبل 10 آلاف عام, وذلك باكتشاف الزراعة عندما زرع شخصاً ما البذور ونمت وتعلم البشر الزراعة. اكتشاف الزراعة ساهم في خلق القرى وتطوير الثقافة وانتقال البشر من حياة الترحال في النمط المشاعي الاقتصادي الى النمط الزراعي. اكتشاف الزراعة جعل البشر يستوطنون في مكان واحد ويلتصقون بالارض ومن هنا كان الشكل التطوري الاول للملكية الخاصة ملكية الارض. لا غرابة في ان نجد ان الحضارات الانسانية الاولى قامت حول ضفاف الانهار مثل حضارة بابل العراقية وحضارة الفراعنة في مصر حول النيل. استوطن الانسان بعد اكتشاف الزراعة وارتبط بالارض و ترك حياة الرعي والترحال. بطبيعة الحال لم يحدث هذا بشكل كامل على دفعة واحدة,  حيث لايزال نمط العيش الرعوي موجود الى اليوم, ولكن اكتشاف الزراعة اوجد نمط جديد للعيش

الموجة الثانية وفقاً لتوفلير كانت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وفترة التصنيع في امريكا بعد الحرب الاهلية الامريكية في ستينيات القرن التاسع عشر (من هنا تبدأ المشتركات بين نظرية توماس فريدمان العالم مسطح ونظرية الفين توفلير الموجة الثالثة). الثورة الصناعية غيرت حياة الانسان بتثوير وسائل الانتاج وجعل الانسان قادراً على تسخير الطبيعة وما بها لخدمة رفاهيته وهذا لم يكن ممكناً من قبل. هذه الثورة غيرت شكل الحياة وجعلت البشر ينتقلون من القرى الريفية الصغيرة الى المدن ليعملوا في المصانع وهذى ما ادى الى ازدهار المدن. في الموجة الاولى ازدهرت القرية مع اكتشاف الزراعة قبل 10 الاف عام, وفي الموجة الثانية ازدهرت المدينة جراء الثورة الصناعية وتحول المدن الحديثة الى ورش انتاج ضخمة تضم المصانع ومايخدم تلك المصانع مثل الموانئ وخطوط السكة الحديد ولاحقاً المطارات. غيرت هذه الثورة كل شي في حياة البشر وتداعت معها النظم القديمة سواء الاقتصادية او السياسية او حتى الاجتماعية. اذا اردت ان تعرف ماهو تأثير الثورة الصناعية عليك, فقط فكر بان تعيش بدون منتج من منتجات تلك الثورة مثل السيارة, الطيارة, السفن الحديثة (جل مايصلك من منتجات استهلاكية يأتي عن طريق البحر), الكهرباء,انابيب المياة,المكنسة,افران الطبخ,ادوات التكيف وادوات الترفيه مثل التلفزيون والراديو وهلم جر. نعم اغلب هذه الاختراع كانت في القرن العشرين, ولكن الثورة الصناعية كانت الاساس وجعلت البشر يفكرون بشكل مختلف عن السابق فيما يخص تعاملهم مع الطبيعة. كان تعامل البشر مع الطبيعة بدائي جداً لقرون طويلة مقتصر على الزوراعة ورعاية الماشية وصناعة بعض الادوات الحديدية او الفخارية وبالكاد يستفيد الانسان من الطبيعة, بل على العكس كانت الطبيعة تعصف بالانسان وتجعله في حالة الدفاع والخوف منها دائماً. الثورة الصناعية غيرت هذا السلوك البشري نحو الطبيعة وجعلت الانسان يستكشف قدراته اللامحدودة في التفكير والابتكار والاختراع ويطوع الطبيعة الى حداً ما

الموجة الثالثة في تسلسل توفلير هي عصر المعلومات اي العصر الحالي. هذه الموجة تدفعها قوة التكنولوجيا. نطقة اخرى تلتقي بها نظرية توماس فريدمان ونظرية توفلير هي ان هذا العصر يعزز الفردية او الفردانية بعبارة اخرى. الموجة الثالة هي ثورة الكمبيوتر وتسهيلها نقل وتدوال المعلومات بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري. وفقاً للبحاث جوي بروير سوف ينتج البشر معرفة في العقد القادم اكثر مما انتج في الثلاث قرون السابقة. [4]. كيف تعمل هذه الموجة اقتصادياً او ما الذي تغير اقتصادياً ليحدث هذه التأثير الهائل في عصر المعلومات؟


في الموجة الاولى كانت الثروة عبارة عن الارض وفقاً لتوفلير. اذا زرعت انا الرز فانت لا يمكنك زراعته. يقصد ان الغرس  واحد, زرعة الارز التي ازرعها في مزرعتي انت لا يمكنك زراعتها مرة اخرى في مكان آخر, الا اذا اقتلعتها من مكانها. بمعنى انك لايمكن نسخ هذه الزرعة. سوف يتبين لاحقاً المغزى من هذا المثل

في الموجة الثانية تنوعت الثروة الى ثلاث عوامل للانتاج: الارض, رأس المال والعمل. نفس الحال مع النظام الزراعي. جميع عوامل الانتاج تستخدم مرة واحدة, بمعنى انا كعامل والذي امثل العمل في هذا النظام لا يمكن ان اعمل في مصنعين مختلفين في نفس الوقت, يجب ان اغادر مصنع كي استطيع ان اعمل في المصنع الآخر. الامر بديهي اليس كذلك؟
يضرب توفلير مثال لتوضح آلية العمل في الموجة الثانية حول مصانع جينرال موتور للسيارات. مصنع جينرال موتور اصبح غني من خلال  الجمع بين مواردها (المصانع, القوى العاملة والاموال). في كل مرة تصنع بها جينرال موتور سيارة هي تستنزف عمل,اموال واستخدام للمصنع. اي كل سيارة تصنع تستهلك من موارد الشركة

في الموجة الثالثة موجة عصر المعلومات واقتصاد المعرفة. ماهي الموارد التي تستنزفها انت من شركة ميكروسوفت عندما تستخدم تقنياتها والتي هي منتجاتها؟ لا شي؟ انت لا تستهلك اي شي من موارد الشركة؟ انت تستطيع ان تنسخ مليون نسخة من نظام ويندوز 95 وهذا لا يجعل موارد ميكروفسوت تنضب ( ضرب توفلير مثال حول ويندوز 95 لانه كان الاحدث عندما جرت معه المقابله). انت لا تستطيع ان تفعل هذا مع منتجات شركة جينرال موتور للسيارات. لا يمكن ان تنسخ مليون سيارة ولا تنقص من موارد الشركة, ولكن تستطيع ان تفعل هذا مع منتجات شركة ميكروسوفت
 
يقول توفلير يعرف علم الاقتصاد على انه " علم تخصيص الموارد الشحيحة" . هناك الكثير من التعاريف لعلم الاقتصاد منها على سبيل المثال " دراسة سلوك البشر في التعامل مع الموارد الشحيحة". دائماً ماتجد في تعريف علم الاقتصاد "الموارد الشحيحة" ولولا شح الموارد لما كان هناك علم اقتصاد. وفقاً لتوفلير فان الموجة الثالثة تتنافى مع التعاريف التقليدية لعلم الاقتصاد. اقتصاد المعرفة يمكن ان ايكون اي شي ولكن ان يكون موارد شحيحة. المقصود ان اقتصاد المعرفة يستطيع ان يتجاوز شح الموارد. فكر في مثال ويندوز 95 او اي برنامج اخر انت تستخدمة على الكمبيوتر. تخيل انك تستطيع ان تلون صفحة على شاشة الكمبيوتر وهذا التلوين لا يستنزف اي موارد كما تفعل في تلوين ورقة عادية. او انت تستطيع ان ترسل مليار بريد اليكتروني وهذا لا يستهلك اي موارد منك او من الشركة التي صممت هذا البريد (ارسال البريد العادي يستهلك ورق, عمل ساعي البريد وعمل الموظفين في وكالات البريد, وموارد مثل السيارة التي تنقل البريد,وقود ومقر ارض لمركز البريد وصيانة وهلم جر). تخيل وهذا مثال افتراضي ان  لو ان كل تغريدة تنزل تكلف شركة تويتر شي من مواردها, حينها لن يكون هذا العدد المليوني من التغيردات حول العالم كل يوم. تستطيع ان ترى بوضوح كيف تغلب اقتصاد المعرفة وجهاز الكمبيوتر تحديداً على شح الموارد, وبعملية رقمية تقنية يستيطع ان يولد الى مالانهاية ما تريده انت منه دون اي تكلفة. قد يقول قائل لا هنالك تكاليف. فمثلاً تطوير تويتر يكلف الشركة شيئاً من مواردها مثل العمل واستخدام احدث التقنيات الرقمية لادارة تويتر وجعله يعمل بسلاسة وهنالك مهندسون في مجال التقنية يراقبون الموقع 24/7. نعم هذا صحيح, ولكن المقصد ان نفس المنتج وهو التغريدة لا تكلف شيئاً وتستطيع ان تنسخ منها مليار النسخ دون ان تستنزف من موارد الشركة اي شي. رأس المال الاولي سواء عمل او رأس مال فيزيائي امر لابد منه لبداية المشروع, ولكن مايميز اقتصاد المعرفة هو المنتج نفسه. فهذا المنتج تستطيع ان تستخدمه مليون مرة بنفس تكلفة استخدامه لمرة واحدة. مثلاً ميكروفسوت قامت باختراع برنامج الورد, كتابة صفحة واحدة على الورد تكلف الشركة كرأس مال اولي نفس تكلفة كتابة مليار صفحة. بمجرد ان تحمل البرنامج على جهازك تستطيع ان تكتب عدد لا نهائي من الصفحات, قارن ذلك بالدفتر الورقي. الدفتر الورقي ذو امكانية محدودة, هناك عدد معين من الصفحات انت لا تستطيع ان تتجاوزه وذلك على حسب سعة الدفتر, ولكن برنامج ورد لا نهائي السعة. قد تبدو امور بديهية ولكنها هي السبب الرئيسي في ثورة التقنية, حيث استطاعت خفض التكاليف الى اقصى حد ممكن, مما سهل انتشار التقنية وجعلها لا نهائية الاستخدام سواء في الحجم او الكيف. مليارات البشر حول العالم يستخدمون المنتجات التقنية, ولولا ذلك السحر في كونها غير شحيحة لما تمكن كل هؤولاء البشر من استخدامها. كنت استخدم ذات مرة جهاز اللابتوب وكانت الكثير من النوافذ مفتوحة وخطر ببالي سؤال ماذا لو كل نافذة كلفتني قدر معين من المال هل سوف استطيع فتح كل تلك النوافذ؟ بالطبع وحتماً لا ولاحقاً وجدت في هذه النظرية التفسير الاقتصادي لتلك الظاهرة التي لم تجعلني ادفع لفتح كل تلك النوافذ

نحن لانزال في البداية وتداعيات هذه الثورة الرقمية لا زالت مثل الطفل الرضيع ولم تنضج بعد, ولكن نرى الان بعض آثار تلك الثورة. ليست جميع منتجات هذه الثورة في صالح الفرد وتمكينه من نيل المزيد من الحرية, بل هنالك تداعيات سلبية على المستوى السياسي, الاقتصادي والاجتماعي. على المستوى السياسي مثلاً, هي قد تستخدم لتضيق الخناق على الافراد والحريات. قضية ادوارد اسنودن عميل وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية مثال لذلك حين سرب معلومات حول تجسس الحكومة الامريكية على الشعب الامريكي وهذا ينتهك الدستور الامريكي الذي يكفل حرية الافراد وتحجيم دور الدولة في التدخل في خصوصيات الفرد. لولا هذه الثورة الرقمية لما تمكنت الحكومة الامريكية من فعل هذا. اذا كان هذا يحصل في امريكا الدولة التي تدعي انها منبر للحرية في العالم فكيف الحال بدول لاتوجد بها حريات مطلقاً. التقنية الرقمية قد تساعد في تقوية النزعات السلطوية وجعل الافراد بلا حماية امام جهاز الدولة القوي جداً والذي يملك تسع اعشار اللعبة في يده. هذه احد سلبيات هذه الثورة ان الفرد لم يعد له اي خصوصية وهو مراقب 24/7 طالما هو متصل بالانترنت. التدعيات الاقتصادية لا تقل خطورة عن التداعيات السياسية, فالآلة تستبدل البشر والذكاء الرقمي يزيح وسوف يزيح البشر اكثر واكثر في كثير من المجالات سواء في الطب,الهندسة, التعليم او الاقتصاد وغيرها من الحقول. نعم قد لا تستطيع الآلة استبدال جميع البشر ولكنها بالتأكيد تزاحمهم وتزداد ذكاء اكثر واكثر. في هذا الفديو يتحدث الاقتصادي الكندي ديفيد كوينتري وهو صاحب قناة على اليوتيوب حول السيناريوهات المستقلية في خلال العشر اعوام المقبلة. [5]. الفديو اساساً يتحدث حول توسعت الحكومات لبرامج الرعاية الاجتماعية وماهو المقابل لتلك البرامج وهو مواطن مطيع يفعل ما يأمر به وذكر ان الذي سوف يقوم بالعمل هو الآلة وليس البشر وهذا يجعل الحكومات ومعها المؤسسات اغنى وتستطيع ان تنفق مبلغ معين من المال على الافراد ( مايبقيهم احياء) في مقابل شراء الولاء السياسي. في مجتمعات كهذه سوف تكون الطبقية واللامساواة في الدخل هي السمة البارزة وهذا احد الاثار السلبية لهذه الثورة. على المستوى الاجتماعي, الاسرة التقليدية لن تعود كما كانت وجميع اشكال العلاقات بين الافراد سوف تتغير وتختلف عما كانت عليه في السابق. الثورة الرقمية تهدم الاشكال التقليدية للعلاقات الاجتماعية ولا يبدو ان احداً قادراً على ان يقف في وجه هذا الطوفان. احد التحليلات المثيرة التي استمعت اليها ذات مرة هو ان تعدد العلاقات سوف تكون شكل اجتماعي مقبول مستقبلاً. الرجل يصادق او حتى يتزوج اكثر من امرأة والمرأة تفعل الشي ذاته, وقد تتعد العلاقات في اشكال تسمح للاشخاص ان يجمعوا بين المثلية الجنسية مثلاً والعلاقات التقليدية, هي امور قائمة الان ولكنها سوف تتوسع وتصبح مقبولة اجتماعية الى حداً ما مستقبلاً. المستقبل مثير, مخيف, غير متوقع, جيد. الصعب معرفة كيف سوف يكون للجميع. هنالك سوف يكون تفاوت وسوف يكون مشرق وجيد للبعض والعكس كذلك

محاضرة فريدمان