Tuesday, April 25, 2017

ولادة مجتمع جديد بعد قرون من الفقر


بن عاتق
25-4-2017

مقدمة
 كثر الحديث حول الاقتصاد والنفط مؤخراً في المملكة العربية السعودية وحول الخطط التي تنوي الحكومة القيام بها في السنوات المقبلة مثل خطة التحول الوطني 2020 ورؤية 2030. الحديث حول الاقتصاد اخذ منحى جديد منذ هبوط اسعار النفط في منتصف 2014 و وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز الى السلطة في بداية 2015 و ما رافق ذلك من اعداد خطط لاعادة توجيه دفة الاقتصاد السعودي. اعاد فريق الملك سلمان وعلى رأسهم ولي ولي العهد اعادة هيكلة الحكومة حيث تم تعديل خمس وزارات مثل وزارة التجارة والصناعة لتصبح وزارة التجارة والاستثمار و وزارة الزراعة لتصبح وزارة البيئة والمياه والزراعة ودمج وزارة التعليم العالي مع التعليم. هذه التغييرات الهيكلية في الجهاز البيروقراطي الحكومي وضعت لتناسب مرحلة اقتصادية "يقال" انها سوف تكون جديدة  ومختلفة عما كانت عليه المملكة في العقود السابقة. تهدف خطة التحول الوطني 2020 الى تقليل النفقات الحكومية للدعم المقدم للمواطنين مثل دعم اسعار الطاقة و استبدالها ببرامج بديلة مثل برنامج حساب المواطن اضافة الى فرض ضرائب جديدة مثل ضريبة القيمة المضافة. رؤية 2030 يقال انها تهدف الى تنويع اقتصاد المملكة المعتمد منذ نشأة الدولة السعودية الثالثة على سلعة وحيدة في التصدير وهي النفط وعلى حرق النفط في الاستهلاك المحلي الداخلي. بشكل مبدئي, من الواضح ان الهدف من هذه الخطط هو تقليل الاعتماد الاقتصادي على النفط في حياة السكان واستبداله بمصادر اخرى مما قد يؤدي الى خفض معايير مستوى المعيشة للمواطنين التي اعتمدت لعقود على الدعم المقدم من  الدولة. شكل النفط الرابط  الاكبر في العلاقة السياسية والاقتصادية بين المجتمع من جانب وبين الدولة من جانب اخر. أسست عائدات النفط الكبيرة التي تدفقت منذ السبعينات في ولادة الاقتصاد الريعي في دول الخليج.  كانت هنالك عائدات نفطية حتى قبل فترة السبعينات ولكنها لم تكن بضخامة ماحصل بعد 1973 حيث تضاعف سعر برميل البترول25 مرة خلال عقد السبعينات مما سمح بولادة اقتصاد الريع في السعودية بقيادة جهاز تكنوقراطي حينها كان على رأسه الامير فهد بن عبدالعزيز (هيرتوج 2012) . تشكلت الدولة الريعية حينها ورسمت علاقات اقتصادية وسياسية جديدة بين المجتمع والدولة وولد مجتمع جديد. في الحالة السعودية نجد ترابط والتصاق وثيق بين تطور ونشأة المجتمع السعودي الحديث مع الثروة التي جلبتها عائدات النفط, فالبلاد الى حتى الخمسينات كانت عبارة صحراء شبه فارغة تسكنها مجتمعات محلية صغيرة متناثرة هنا وهناك تضم حوالي 3 ونصف مليون انسان كما ذكر ذلك الدكتور توماس بارتليت وهو الذي راقب تطور السعودية عن قرب وزار السعودية في مراحل تاريخية مختلفة وشهد هذا التطور(27). السعوديون في جيل واحد او جيلين شهدوا عمليات تطور تاريخية كان من المستحيل لها ان تحدث لولا وجود النفط حيث حول البلاد من مجتمعات تعيش على الزراعة والرعي الى امة استهلاكية حديثة على النمط الغربي الرأسمالي.  في هذا المقال احاول تسليط الضوء اولاً على مفهوم الدولة الريعية التي خلقت المجتمع السعودي الحديث وكيف يتصل النفط بالانسان من خلال الدولة و في الجزء الثاني  التعرف على بعض الخصائص العامة لدولة ومجتمع الريع السعودي الجديد مع التركيز على بعض التحولات التاريخية 

 الجزء الاول: ريعية الدولة السعودية وكيف يعتمد المواطن عليها

الدول الريعية او الاقتصادات الريعية هي تلك الدول التي تعمد على تدفق عائدات ضخمة من مصدر خارجي نتيجة ايجار مصدر داخلي لحكومة او شركات اجنبية مثل حقول النفط, المعابرالمائية او تأجير الارض لتمر عليها انابيب البترول والغاز (  مهداوي 1970). مايميز الاقتصادات الريعية وفقاً للدكتور حسين مهداوي هو ان العوائد التي تتلقها الدول الريعية غير مرتبطة كثيراً بحالة الاقتصاد الداخلي لتلك الدول, بمعنى ان انتاجية الاقتصادات المحلية لا تلعب دور كبير في خلق الثروة لتلك الدول بقدر ماتخلقها العائدات من مصدر خارجي. على سبيل المثال, قناة السويس تعتبر مصدر ريعي لدولة مصر, حيث ان الموقع الجغرافي لقناة السويس كرابط بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط منح مصر الميزة لتتمكن من جني رسوم عبور من من خلال عبور السفن في داخل القناة. يقول الباحث في مركز كارنيجي عمرو عادلي[ عادة ما يقصد بالاقتصاد الريعي البلدان التي تعتمد في القسم الأعظم من دخلها على موارد تأتي من خارج الاقتصاد كالمعونات الأجنبية أو تحويلات العاملين أو العوائد المتصلة بالموقع كقناة السويس في مصر، أو على الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعي، والتي لا يشارك في إنتاجها وتصديرها للخارج سوى عدد يسير للغاية من العاملين بالاقتصاد كحالة الصناعات الاستخراجية، والخلاصة فإن الاقتصاد الريعي يعتمد على موارد لا يسهم في إنتاجها بدرجة أو بأخرى] ( عادلي : 2014) . لتبسيط صورة الحالة الريعية, الامر اشبه بشخص يمتلك عقارات ويعيش على الريع الذي يأتيه من تأجير تلك العقارات, هو يملك الاصول ولكن شخص اخر ينتفع. مالك العقار غير منتج, انما هو شخص مستفيد من الملكية لهذا العقار وهذه هي فكرة الدكتور حسين مهداوي. هذا كان حال الصناعة النفطية في الشرق الاوسط عندما بدأت. كانت دول مثل العراق, ايران والسعودية متخلفة تقنياً ومعرفياً و لا يمكنها استخراج واستغلال النفط دون وجود خبرات اجنبية. جاء الخبراء والشركات الاجنبية من بريطانيا وامريكا الى المنطقة منذ الثلاثينات او قبل ذلك بكثير للتنقيب واستخراج النفط (على سبيل المثال ايران بدأت في تصدير النفط منذ عام 1909). في تلك الفترة كان الاقتصاد النفطي في الشرق الاوسط هو اقتصاد ريعي قائم على تأجير الحقول النفطية للشركات الاجنبية واستلام ما يشبه الايجار جراء ذلك. تغير الوضع في السعودية منذ منتصف السبعينات وتحولت شركة ارامكو من شركة اجنبية الى شركة وطنية سعودية عندما رفعت السعودية نصيبها من الشركة الى 60% في 1974 ولا حقاً الملكية الكاملة للشركة من قبل الدولة مع بداية الثمانينات (ارامكو ). يقول الدكتور حمزة السالم ( استاذ الاقتصاد المالي) ان هناك فرقاً بين الاقتصاد الريعي والاقتصاد البترولي, بحيث ان الاول محدود في امكانياته ولكنه يدوم بدوام ملكية الاصل ( مثل ملكية قطعة ارض تؤجر لغرض ما) بينما الثاني اي البترولي متوسع ومن الممكن ان ينمو ولكن قد ينقطع اذا انقطع المصدر ( مثل نضوب البترول) وهذا فرق جوهري بين الاقتصادين ( السالم:2016). اعتقد ان هناك صفة قد تكون جامعة لهذه الانواع من الاقتصادات وهي احد اهم محاور هذا البحث وهي الاستقلالية النسبية للعوائد الاقتصادية في هذه الانواع من الاقتصادات عن انتاجية المجتمع. البشر لا يلعبون دور في خلق النفط في باطن الارض و نفس الحال مع قطعة الارض او المعبر المائي ( التي يعتمد عليها الاقتصاد الريعي التأجيري) جميعها امور معطاه من الطبيعة. نعم قد يدور بعض النشاط الانتاجي حول هذه المصادر الطبيعية مثل استخراج النفط وتكريره وتصديره او بناء طريق على قطعة الارض او تسهيل حركة عبور السفن من ذلك المعبر المائي. تقول الباحثة والمتخصصة في شؤون الدول النفطية استاذة العلوم السياسية في جامعة ستانفورد تيري كارل عن النفط والدولة الريعية [ بشكل عام, عائدات النفط تنتج الدولة الريعية- تلك التي تعيش من عوائد النفط بدلاً من استخراج الفوائض من السكان. في الدول الريعية، السلطة الاقتصادية والسياسية متركزة بشكل خاص. الخطوط الفاصلة بين القطاعين العام والخاص غير واضحة، كما أن البحث عن عوائد النفط كاستراتيجية لخلق الثروة أمر شائع] (كارل:9:2007). يوجد فروق بين الاقتصاد الريعي و الاقتصادات الصناعية والمعرفية.النشاطات الانتاجية في الاقتصادات المعرفية والصناعية متجددة, تلعب المنافسة دوراً بها وتتطلب رأس مال بشري قادر على الاختراع والابداع, والحال ليس كذلك في دول النفط حيث ان استراتيجية خلق الثروة تنبع من البحث عن عوائد النفط التي ينتجها مصدر خارجي, عدى ان القطاع النفطي لايتجدد بشكل مستمر. يقول الكاتب حمد عبد الله اللحيدان حول الفرق بين الاقتصاد النفطي والاقتصاد المعرفي الحديث [ وإذا أردنا ان نعقد مقارنة أخرى بين اقتصاد المعرفة ، واقتصاد النفط نجد أن طرق استخراج النفط وتخزينه ونقله وتكريره قد طرأت عليها تغييرات طفيفة خلال المدة التي انقضت منذ اكتشافه كقوة محركة للاقتصاد العالمي حتى اليوم وفي المقابل نجد أن أجهزة الحاسب والأقمار الصناعية والهواتف المحمولة والانترنت والتقنيات الرقمية الأخرى قد غزت العالم وأصبحت تتطور تقنياتها بصورة متسارعة على شكل أجيال متوالية خلال مدد زمنية قصيرة جداً يلهث الناس خلف كل جديد منها وأصبحت عوائد إنتاجها وبيعها مهولة ما جعل هذه الثورة المعرفية ذات أثر كبير في تشكيل نمط الحياة المعاصرة وأولياتها في كل المجتمعات سواء أكانت منتجة أم مستهلكة] (اللحيدان: 2012). الاقتصادات المعرفية والصناعية تتطلب التحديث والتجديد على عكس الاقتصادات التي تعتمد على تصدير سلعة وحيدة مثل النفط. حتى لا يتشتت الموضوع, سوف اقوم بتسمية الاقتصاد البترولي السعودي بالاقتصاد الريعي من حيث ان السكان يعيشون على الريع الذي تدفعه شركة ارامكو للدولة السعودية وذلك من خلال ضريبة تبلغ قيمتها 85% كما افصح عن هذا مؤخراً( عكاظ:2017). انا على الاقل لا اعرف الكثير عن التفاصيل الفنية حول الكيفية التي تتدفق بها عائدات النفط الى الدولة السعودية من شركة ارامكو واجزم ان غيري كذلك كما قال ذلك مرة نائب وزير المالية السابق الدكتور عبدالعزيز الدخيل في لقاء تلفزيوني, ولكن مايهم في الامر في هذا المقال هو تفصيل الكيفية  للحالة الريعية السعودية. السعودية تبيع النفط للحصول على منتجات الأخرين سواء كانت منتجات صناعية , تقنية او زراعية, نتيجة لتدفق الثروة من خلال بيع النفط. بعبارة ادق, الامر عبارة عن تحويل للثروة من الدول المستوردة للنفط الى الدول الموردة للنفط. في محاضرة للصحفي الكندي المتخصص في الطاقة أندرو نيكيفوروك حول الطبيعة الاقتصادية للثروة النفطية قال فيها : "ان النفط  يحول الثروة من العبيد الى الاسياد". يقصد بالعبيد الدول المستوردة للنفط والاسياد الدول المصدرة للنفط, وهذا التحويل في الثروة يشكل من ثلاثة الى خمسة تلريون دولار سنوياً وهذا ما يعادل 10% من اجمالي حجم الناتج الاجمال للاقتصاد العالمي (1 ). الدول النفطية وفقاً لرؤية نيكيفورك تستفيد من تحويل الثورة, بمعنى ان النفط لا يخلق الثروة ( مثل تلك التي يخلقها الانتاج الصناعي) من حيث ان تلك الثروة تحتاج الى مهارات وجهد بشري وليس كثروة النفط التي تخلقها الصدفة الجيولوجية. الانتاج الاقتصادي ليس اشكال للدول النفطية فهي تستطيع من خلال تحويل الثروة التي تحصل عليها من بيع النفط ان تلبي بقية احتياجاتها عن طريق الاستيراد او حتى جلب عمالة من الخارج لتقوم بالاعمال في الاقتصاد المحلي. عملية تحويل الثروة تجعل الدولة الريعية اغنى وهذا يساعدها على الانفاق من خلال القطاع العام للدولة او من خلال الهبات المباشرة للسكان. القطاع العام هو المحول لتلك الثروة من المصدر الخارجي ( الذي يشتري النفط) الى الاطراف الداخلية ( الافراد والمؤسسات ), وهذا يعطي القطاع العام دوراً محورياً في الدول النفطية.  في تقرير لصندوق النقد الدولي حول تنويع الاقتصاد للدول العربية النفطية جاء فيه حول دور القطاع العام ( الدولة) في الاقتصاد : القطاع العام هو اللاعب المهيمن في الدول النفطية العربية وهو محفز في تخصيص عوامل الانتاج. يكمل التقرير [ النمو الكبير في الانفاق الحكومي قد ساهم في نمو القطاعات ذات القيمة المنخفضة المضافة مثل المقاولات, التجارة النقل, المطاعم والتي تنتج بضائع وخدمات لتلبية الطلب المحلي للاستهلاك والاستثمار وهي بحاجة الى مصدر موثوق من الدخل يمول من اعادة تدوير عائدات النفط] (2). ما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي هو التالي: ان الدول الريعية "وان كان التقرير لا يستخدم هذا المصطلح" تعتمد على القطاع العام في حركة الاقتصاد المحلي وان القطاعات الاقتصادية الاخرى المحلية مثل شركات المقاولات والمطاعم و التجارة (  على سبيل المثال وكلات الاستيراد) ذات قيم منخفضة في الاقتصاد وليست مثل تلك التي تخلقها العائدات النفطية ( قارن بين ارامكو وبين اي شركة اخرى من حيث القيمة السوقية او من حيث المساهمة الاقتصادية في الاقتصاد السعودي). هذه القطاعات الغير نفطية ماهي الا عبارة عن قنوات لتدوير عوائد النفط لتلبية الطلب المحلي على البضائع والخدمات. بعبارة اخرى للاستهلاك الداخلي فقط وتلبية احتياجات المجتمع الاستهلاكي الذي يرتكز على النفط في تمويل احتياجاته الاستهلاكية. في الدول الريعية هنالك قطاع خاص يعمل وقد ينتج قيمة لا بأس بها في الناتج المحلي الاجمالي, ولكن ما ينتجه لا يخلق عوائد مالية للدولة من ضرائب ورسوم مثل تلك التي تخلقها عائدات النفط هذا من جانب, ومن جانب اخر هو محلي فقط بمعنى في اغلب الاحوال لا يذهب للتصدير بل يذهب للاستهلاك الداخلي( تحدثت في موضوع سابق النفط كيف ربطنا و لايزال يربطنا بالعالم عن الفرق بين البضاعة القابلة للتدوال وعن البضاعة التي فقط تستخدم للاستهلاك المحلي وكيف ان البضاعة التي تصدر هي من يخلق الثروة للبلاد(3)). على سبيل المثال عندما تنظر الى صادرات السعودية في 2014 تجد ان النفط الخام يشكل 76% منها والبقية بين نفط مكرر ومواد بيتروكيميائية (4). عندما تبيع او تصدر الدولة براميل النفط, الثروة التي تعود الى الدولة من هذه العملية يذهب جزء منها الى القطاع العام. احد تعريفات القطاع العام  والذي يعد الفاعل الرئيسي في الاقتصاد في دولة كالسعودية[ إن القطاع العام هو ملكية الدولة، وملكية الدولة من حيث النطاق المادي تشمل قطاع الأعمال العام من شركات ومؤسسات تعمل بالنشاط الاقتصادي الهادف إلى الربح، وكذلك الثروة الطبيعية المملوكة للأمة مثل النفط والمعادن والغابات والمياه، وأيضاً المرافق العامة والخدمات سواء في مجال البنية الأساسية الإنتاجية من طرق وموانئ ومواصلات، أو البنية الأساسية الاجتماعية مثل المدارس والمستشفيات، وقد تصبح أقسام منها إذا هدفت إلى الربح جزء من قطاع الأعمال العام [ (5) . يلعب القطاع العام دوراً كبيراً في حياة المواطنين وهو المحرك الرئيسي الاقتصادي في دول الريع والقطاع الخاص ماهو الا قناة لتدوير ثروة النفط بدل ان يخلق الثروة بنفسه من خلال الانتاج اكان صناعياً او معرفياً تقنياً. تنفق السعودية على القطاع العام من خلال ميزانيات سنوية يشكل النفط معظم عوائدها, لذلك يشكل النفط دوراً محورياً في حياة السكان, حيث يكون القطاع الحكومي العام هو نقطة الاتصال بين عائدات النفط والمواطن. قمت بجمع اراقم الميزانية السعودية لمدة عشر سنوات بين عامي 2005-2014 ووضعتها في جدول ورسم بياني حيث توضح نسبة ايرادات النفط من مجموع عام الميزانية
     الميزانية السعودية 2005-2014

   .الميزانية السعودية بالارقام(مليار ريال) ونسبة الايرادات النفطية من مجموع الايرادات من بيانات وزارة المالية المصدر صحيفة ارقام 2015

تستطيع ان ترى مدى عمق وتأثير النفط في الميزانية, وليست مبالغة القول ان  بدون النفط لن يكون هنالك ايرادات ذات قيمة  للدولة على الاطلاق. النفط في اسوء السنوات في العقد الماضي شكل مايقارب 85% من حجم الايرادات وذلك في عام 2009 عندما انخفضت اسعار النفط بسبب الازمة المالية العالمية. في بعض الاعوام وصلت الايرادات النفطية الى 92% من حجم الايرادات وهذا يعني فقط ان 8% من الايرادات تأتي من مصادر غير النفط وهذا بلا شك رقم زهيد ولا يذكر. كيف يتصل هذا الريع النفطي بالمواطن العادي من خلال القطاع العام؟ القطاع العام في السعودية هو الموظف الاكبر للسعوديين وهذا احد اكبر واهم قنوات الريع للمواطن. بلغة الارقام  انفقت الحكومة السعودية 323 مليار ريال وهذا ما يعادل  38% من ميزانيتها في 2015 كرواتب وبدلات  للعاملين في الدولة سواء في القطاع المدني او العسكري, حيث بلغ عدد موظفي القطاع المدني والعسكري نحو 3.32 مليون موظف ( 6).  يبلغ عدد السعوديين في القطاع العام 1.19 مليون موظف مدني ( لم استطيع الحصول على ارقام رسمية لعدد العسكريين سوى في المصدر السابق وهو غير رسمي), 43% في وظائف تعليمية و 36% منهم في وظائف عامة ( 7) نسبة الموظفين السعوديين في القطاع العام 94% والاجانب حوالي 5%  وفقاً لبيانات وزارة الخدمة المدنية(8 ). يوظف القطاع الخاص ما يقارب 10 مليون موظف منهم مايقارب مليون ونصف موظف سعودي وفق بيانات وزارة العمل بنهاية عام 2014 (  9). توجد فروق بين العمل في القطاع العام والقطاع الخاص من حيث الدخل فمتوسط الاجور في القطاع العام يبلغ تقريباً 9,555 ريال بينما يبلغ في القطاع الخاص 4967 ريال اي مايقارب النصف تقريباً ( 10)(11). نواجه مشاكل كثيرة مع احصائيات القطاع الخاص, فنحن لا نستطيع مثلاً ان نحصي عدد الوظائف الوهمية الناتجة عن برامج السعودة الالزامية ( مثل الوظائف الصورية التي تمكن المؤسسات من تجاوز شروط وزارة العمل فيما يخص الاستقدام ونسب التوطين الالزامية) .حول وظائف القطاع الخاص يقول الاقتصادي برجس البرجس [ الوظائف التي يتم إيجادها حاليا غير مجدية، وهناك حقيقة يجب أن نواجهها وهي أن كثيرا من أبنائنا وبناتنا يعملون في أعمال متدنية وبرواتب متدنية ولا نأبه لمستقبلهم على حساب خفض أرقام البطالة، هؤلاء هم بطالة ولكن تعمل أعمالا بسيطة وبعضهم لا يعمل ولكن مسجل في وظيفة وهمية](البرجس 2016). هذا الامر ليس بمستغرب من حيث تدني وظائف القطاع الخاص حيث يبلغ متوسط الاجور بشكل عام (سعوديين ومغتربين والذين يشكلون 90% من حجم القطاع الخاص)  2442 ريال في 2015, وبلغ متوسط اجور العمالة الوافدة 1154 ريال (12). لتلخيص الصورة, حجم قوة العمل من السعوديين يبلغ 5.6 مليون, منها 3.23 مليون يعملون في القطاع الحكومي و 1.25 مليون في القطاع الخاص بنهاية 2014 (13). لتسهيل المقارنة قمت بوضع هذه الارقام في الجدول التالي حتى تتسنى المقارنة. ملاحظة, بما انه لا يوجد مصدر رسمي لعدد العسكريين او مصادر اخرى غير ذلك الذي وجدت فان هذا قد يؤثر على دقة الارقام, ولكن بشكل عام الارقام تقريبية الى حداً ما, حيث اني في كل مرة اجد مصادر تعطي ارقاماً مختلفة, ولكن تظل متقاربة نسبياً 

مقارنة بين القطاع العام والقطاع الخاص من حيث الاجور واعداد العاملين 

نستطيع ان نرى ان الارقام تشير الى ان القطاع العام والعسكري اكثر جاذبية للسعوديين حيث متوسط الاجور اعلى ويصل الى الضعف (  يجب ان نكون حذرين مع هذا التعميم, حيث توجد شركات في القطاع الخاص تمنح رواتب ومزايا افضل من تلك التي تقدمها الحكومة, وللدقة يجب ان تفصل تلك الارقام على حسب نوع وحجم الشركات, فالموظف في ارامكو والموظف في مؤسسة صغيرة يعتبران من العاملين في القطاع الخاص ولكن هنالك فروق كبيرة في المزايا بينهما) ومن جانب اخر يستوعب القطاع العام والعسكري ضعفي عدد الموظفين في القطاع الخاص من السعوديين. الامر ليس مقارنة للمزايا التي يمحنها القطاع الخاص والقطاع العام ولكن هو اقرب الى رسم صورة حول بعض الحقائق الاقتصادية والتي تتمثل في استيعاب القطاع العام للسعوديين من جانب, و الارتفاع الكبير في متوسط الاجور بين القطاعين  من جانب اخر, وقبل هذا هو اعتماد الدولة في ميزانيتها الى مايصل الى 90% من الايرادات النفطية والتي من خلالها تستطيع ان تنفق على القطاع العام. الدولة في هذه الحالة تنفق ولا تحصل على عوائد اقتصادية اخرى تجنبها او تقلل من اعتمادها على النفط, فهي تنفق هذا المال على القطاع العام من مصدر خارجي متمثل بالنفط وليس من مصدر داخلي اي من داخل القطاع العام مثل الضرائب, الانتاج ( على سبيل المثال: في بعض الدول كدول المعسكر الشرقي في اوربا ابان حقبة الاتحاد السوفيتي  كان القطاع العام يملك مصانع وينتج, وحتى في بعض الدول العربية التي تبنت النمط الاشتراكي كمصر قبل ان تجتاحها موجة الخصخصة في التسعينات). لتبسيط الصورة اكثر: لو كان القطاع العام عبارة عن شركة والدولة هي من يدير هذه الشركة, الدولة تنفق على هذه الشركة مثل الرواتب والمزايا للموظفين وانشاء وصيانة مباني الشركة من مصدر خارجي وليس من عمل  وانتاج هذه الشركة, من الناحية الاقتصادية هذه المعادلة مستحيلة حسب قوانين السوق, اذا لم تستطيع الشركة او المؤسسة ان تتحمل تكاليف الانتاج والتشغيل فهي سوف تفلس وتخرج خارج منافسة السوق, ولكن في الحالة السعودية مايجعل هذه الشركة ( اي القطاع العام) قادر على البقاء هو المصدر الخارجي المتمثل في النفط والذي يمكن الدولة من الانفاق على هذا القطاع حتى وان كان لا يستطيع ان يتحمل التكاليف الفعلية لوجوده ( لذلك يحصل الاضطراب والتقشف عندما تهبط اسعار النفط, ولو كان الامر متعلق بالانتاجية للقطاع العام لما تأثر سواء بصعود او هبوط الاسعار بشكل مباشر).  اعتماد المواطنيين على الدولة في السعودية لا يتوقف عند خلق الوظائف او تقديم بعض الخدمات بل يتعداه الى ان يصل الى دعم الاستهلاك النهائي (الاستهلاك النهائي يقصد به استخدام واستهلاك  البضاعة او الخدمة). في السعودية يتم دعم الاستهلاك النهائي من خلال دعم الطاقة,دعم بعض السلع الغذائية الاساسية ودعم غير مباشر للاستهلاك النهائي مثل دعم اسعار العلف الحيواني وذلك لخفض تكاليف تريبة الماشية وهذا يجعل اسعار اللحوم منخفضة. في تقرير في صحيفة اليوم الالكترونية جاء فيه ان حجم الدعم للطاقة بلغ في 2013 مايقارب 450 مليار ريال, حيث دعم الوقود للحصول على الكهرباء بمبلغ 150 مليار ريال, ودعم وقود النقل بمبلغ 168 مليار ريال, مع دعوم اخرى ذهبت للغاز وبعض المشتاقات البتروكيميائية (14). بلغ حجم دعم السلع الضرورية مثل الغذاء 47 مليار ريال في 2014 وفقاً لتقرير في صحيفة الجزيرة (15). الحالة السعودية والتي تسمى قد تأخذ شكل الاقتصاد الريعي تتمثل في ان الدولة تنفق, توظف وتوفر الخدمات في مقابل مواطن مستهلك. هذه الميزة او الحالة موجودة بفضل النفط فهو من يمكن الدولة ان تقدم هذه الخدمات. هذه المزايا للمواطن في كونه يحصل على الوظائف من الحكومة ودعم الاستهلاك, وفي نفس الوقت المزايا التي يحصل عليها الجميع مثل  الوزراء والامراء تأتي من دخل غير مكتسب من مصدر خارجي متمثل بالثروة النفطية.  القطاع الحكومي هو من يمتص عائدات البترول ( لا نعرف الى اي مدى, لان هناك قنوات اخرى تمتص عائدات البترول كما قال ذلك مرة نائب وزير المالية الاسبق الدكتور عبدالعزيز الدخيل (16)) .غالبية الشعب تعتمد على هذا القطاع سواء في توفير الوظائف, تقديم الخدمات كالتعليم و الصحة والدعم المابشر للاستهلاك . الوضعية الراهنة للحالة السعودية الريعية  يمكن تشبيهها بمثلث ذو ثلاثة اضلاع, الضلع الاول النفط, الثاني الدولة والثالث هو المجتمع الاستهلاكي. النفط يقوم على تحويل وجلب الثروة من الخارج في حين تقوم الدولة بتوزيع تلك الثروة ويمتص المجتمع الاستهلاكي "جزء" من تلك الثروة 
  
الجزء الثاني: ولادة مجتمع جديد برعاية الدولة الريعية
   
كانت فترة الثلاثينات من القرن العشرين من اكثر الفترات تأثيراً في حياة انسان الجزيرة العربية في القرون الماضية, حيث ثم توحيد المملكة في 1932 ومن ثم بدأ التنقيب عن  النفط في 1933 واكتشف في 1938 (17). كانت السعودية الى ما قبل الثلاثينات تعيش في حالة من "ركود القرون الوسطى" كما وصفها الباحث السوفيتي الكساندر باكوفليف في كتابة السعودية والغرب الذي صدر في عام 1979. كان 80% من السكان تقريباً يعملون في الزراعة وفقاً لباكوفليف في السعودية في الثلاثينات. الاقتصاد كان ينحصر غالباً في الزراعة وهو يشمل الاغلبية, او اقتصاد الحج وهو محصور فقط في منطقة الحجاز. لم تعرف السعودية التطور الصناعي الذي يخلق التطورالاقتصادي و ظلت راكدة في الانماط الاقتصادية البدائية. ماحصل في الثلاثينات وما تلاه حتى اليوم يعتبر مسار ثوري في حياة انسان الجزيرة العربية مختلف عن ما اعتاد عليه سكان الجزيرة في القرون السابقة.تقول ارامكو عن نفسها في وصفها للحالة الثورية التي خلقتها في صحراء شبه الجزيرة العربية [قصة ارامكو تحكي عن عن اكتشاف وتطوير اعظم احتياطات للطاقة عرفها العالم والتحول السريع للعربية السعودية من مملكة صحراوية الى امة حديثة] ( 18). استغلال النفط يعتبر من اكبر الاكتشافات التي ثورت حياة البشرية, والسعودية كانت محظوظة بان تملك هذا السائل الثمين في باطن صحاريها.  النفط وفر الطاقة التي جعلت من الممكن ربط العالم وهذا ساعد على تثوير الصناعة ورفع الانتاجية مما مكن البشر من دخول العصر الاستهلاكي الحديث. بعض الحسابات الرياضية تشير الى ان طاقة واحد برميل من النفط تعادل انتاجية عمل بشري يقدر ب 25 الف ساعة ويحسبة اخرى 12 سنة ونصف بمعدل عمل 40 ساعة في الاسبوع (لويس:13). هذا الكم المهول من الطاقة اتاح للبشر هندسة المجتمعات الاستهلاكية الحديثة حيث يلعب النفط دوراً محورياً في حياة هذه المجتمعات. بالعودة الى موضوع السعودية,  اكتشاف النفط وتوحيد البلاد دفعة عجلة التقدم الاقتصادي من حيث ادخال عنصر جديد في الاقتصاد متمثل بالنفط و الذي بدأ في ربط شبه الجزيرة العربية بالعالم اقتصادياً وانعكست آثار ذلك الربط في خلق السعودية الحديثة. توحيد البلاد وضع الاسس لولادة كيان مؤسسي حديث في الجزيرة العربية متمثل بالدولة السعودية الثالثة يرسخ من مفهوم العمل المؤسسي ووجود النفط سهل من مهمة بناء ذلك الكيان المؤسسي. العمل المؤسسي بشكل مختصر للغاية هو وضع الافراد في منظمات وربط هذه المنظمات ببعضها من خلال انظمة وقوانين للقيام بمهمات محددة بشكل احترافي. فكرة العمل المؤسسي كانت شبه غائبة عن الجزيرة العربية ولم تعرفها الا لاحقاً بشكل محترف مع تطور الدولة السعودية الثالثة, وذلك بانشاء المديريات في بادئ الامر مثل انشاء مديرية التعليم في 1925 والتي تحولت في عام 1951 الى وزارة التعليم ( 19). غياب المؤسسات والعمل المؤسسي قبل حقبة الدولة السعودية الثالثة وقبل ظهور النفط  احد الدلائل على ان الامر كان جديد ومستحدث.  ولادة الكيان المؤسسي اخرج البلاد من حالة ركود القرون الوسطى وساعد على التحديث بالتزامن مع اكتشاف النفط. مرت السعودية بمراحل تطورية قسمها الباحث السوفيتي الكساندر باكوفليف الى اربعة مراحل وقد استخدمتها كي تساعد على فهم الحالة السعودية من حيث النشأة والتطور  بشكل عام

المرحلة الأولى: نهاية العشرينات ومطلع الثلاثينات. المحتوى الاساسي لهذه المرحلة هو نشوء وتوطد الدولة. يحافظ المجتمع السعودي الاقطاعي المبكر على تقوقعه، مع عدم وجود اتصالات منتظمة مع الغرب

المرحلة الثانية: الاربعينات والخمسينات.يجري تغلغل نشيط للرأسمال الغربي وتتوطد مواقعه في المملكة. يتحول البلد إلى شبه مستعمرة،والى "ملحق للخامات" للاقتصاد الرأسمالي العالمي

المرحلة الثالثة: اساساً الستينات (1962 ـ 1973)، بداية التطور الرأسمالي للمجتمع السعودي. ونتيجة للعوامل الخارجية والداخلية تضع المملكة السعودية برنامجاً للاصلاحات الاجتماعية ـ الاقتصادية، وتنتقل إلى استقلالية محدودة في السياسية الاقتصادية. وتتغير العلاقات شبه الاستعمارية مع رأسمالية الدولة الاحتكارية

المرحلة الرابعة: السبعينات. التطور المتسارع للعربية السعودية في الطريق الرأسمالي. والتغيير الجذري لطابع العلاقات مع رأسمالية الدولة الاحتكاري 

ويقسم الباحث تلك المراحل الزمنية الى دورات تطورت من خلالها الحالة السعودية 

الاولى: دورة توحيد العربية السعودية بالعنف، ووضع مقدمات الملكية المطلقة العشرينات ـ الثلاثينات

الثانية: دورة التحولات الاقتصادية الداخلية، التي مهدت للانتقال النهائي للمجتمع السعودي إلى الرأسمالية -الاربعينات ـ الخمسينات

الثالثة: دورة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة -الستينات

الرابعة: بداية الدورة النهائية لنشوء الرأسمالية -السبعينات

  ( باكوفليف: 1979)



كتاب الباحث السوفيتي كتب بلغة الحرب الباردة مستخدماً مصطلح الرأسمالية في اشارة الى علاقة السعودية بالنظام الغربي الرأسمالي وترسيخ ذلك النظام في السعودية ولكن هذا موضع بحث اخر حول اذا ماكان في السعودية نظام رأسمالي على النمط الغربي, ولكن مايهم الان هو التقسيم التاريخي لمراحل التطور, والامر الجيد ان الكتاب كتب في زمن قريب نسبياً من تلك المراحل التي عاشتها السعودية. المرحلة الاولى من الواضح انه كان لايزال يسودها ارث القرون الماضية ولم يكتشف النفط بها بعد وما كان فقط هو تغيير سياسي متمثل بولادة الدولة السعودية الثالثة مع بقاء الوضع الاقتصادي كما هو, ولذلك يصفها الباحث ان المجتمع السعودي كان لايزال متقوقع على الانماط الاقتصادية القديمة. المرحلة الثانية الاربعينات والخمسينات وهو ما يسميها الباحث السوفيتي تغلغل للرأسمال الغربي و هي عبارة عن اكتشاف النفط وقدوم الشركات الامريكية للسعودية في المجال الاستثماري في قطاع الطاقة. تحويل البلد الى مستعمرة هو تعبير اقرب الى وصف تلك الحالة التي يفتقر بها البلد الى الادوات التي تمكنه من تطوير قطاع الطاقة ووجود الاحتياج الى خبرات من الخارج تملك الادوات والمعرفة التي تحتجها تلك الصناعة, وبالعودة الى الكتاب يفصل الباحث بشكل دقيق تلك المرحلة. المرحلة الثالثة فترة الخمسينات والستينات يصفها الباحث على انها بداية تطور الرأسمالية السعودية. في الحقيقة تلك الفترة كانت بداية ظهور آثار الثروة النفطية التي تدفقت في العقد الذي سبقها اي الاربعينات وتطوير الدولة السعودية مؤسساتياً مثل انشاء الوزرات مثل التعليم, الصحة,المواصلات وانشاء مؤسسة النقد  التي تلعب دور البنك المركزي في السعودية. الفترة الرابعة السبعينات وما يليها يصفها الكاتب بانها فترة التطور المتسارع للتطور الرأسمالي في السعودية. في الحقيقة هي فترة الطفرة النفطية الاكبر والتي لعبت الدور الاكبر في تثوير الحالة السعودية بعد اربعة عقود من اكتشاف النفط, وظهرت آثار الطفرة النفطية على السعودية في العقود التي تلتها, وقد اجادل انها الى اليوم لا تزال قائمة من حيث انها هي من صاغ المجتمع السعودي الحديث وسوف افصل تحديداً في تلك الفترة اي ما بعد الطفرة وتأثيرات تلك الطفرة الاجتماعية . طفرة النفط والتي حدثت في  اكتوبر من 1973 اثر وقف الدول العربية امدادات البترول على خليفة الحرب بين مصر واسرائيل كما ترويها الرواية الرسمية, الطفرة حدثت وارتفعت اسعار البترول من 2.90 دولار الى 11.65 دولار في يناير 1974 ( 20). هذه الطفرة هي ما ميز المرحلة الرابعة من تاريخ تطور الحالة السعودية, وربما هي التي كانت الاسرع والاشد تأثيراً من المراحلة السابقة. اعتقد ان اكثر ما ميز هذه الفترة هو انها كانت كاشفة لحجم التباين الكبير بين الموارد التي تملكها الدولة وحالة التطور الاقتصادي التي كان عليها المجتمع السعودي, بمعنى الموارد التي يملكها الموارد المجتمع السعودي في مقابل تلك الثروة التي بدأت تتدفق على الدولة. [كان الجزء الاكبر من الميزانية العامة لدول الخليج قد ذهب الى النفقات العادية والمكررة سواء في الخدمات الاجتماعية او العمالة في القطاع العام المتضخم كنوع من توزيع الدخل الوطني وذلك من خلال الوظاف العامة التي توفر اكبر عدد من الوظائف للمواطنين. بالتالي فان التنمية الاقتصادية ركزت على النفقات الغير منتجة في معظمها, وهي تحتوي على فئة جديدة من المواطنين , العمال, المزارعين او صيادين الؤلؤ السابقين او البدو الرحل الذين يعيشون على الرعي, تلك الطبقة اصبحت تعتمد بشكل كبير للغاية على الانفاق الحكومي على شكل رواتب. الانفاق الحكومي الكبير والتغيير للحالة الاجتماعية الاقتصادية لعدد كبير من الناس الذين كانوا يعيشون على موارد شحيحة ولكنهم الان لديهم رواتب حكومية جيدة وكل هذا قد خلق اثر كبير على نمط حياة الطبقة الجديدة المتوسطة وخاصة في جانب الاستهلاك] (الدوسري:36). تم خلق مايشبه الطبقة المتوسطة وهي عملية تمت اصطناعياً وذلك بضخ موارد الدولة في تلك القطاعات التي حولت الكثيير من السعودية من افراد يمارسون انماط اقتصادية تقليدية وقديمة الى تقلد وظائف حديثة سواء في التعليم, الصحة, الخدمات الادارية وغيرها. ماخلق تلك الطبقة ليس تطورها التاريخي بل الثروة التي خرجت من الارض 
 في الحالة السعودية وكما رأينا من لغة الارقام هنالك فرق كبير بين موارد الدولة وبين موارد المجتمع. موارد الدولة في السعودية تكمن في امتلاك الدولة الحق الحصري للمصادر الطبيعية في داخل الحدود الجغرافية للبلد وذلك باعطائها الامتيازات لمن تشاء. قد ندخل في جدال ان موارد الدولة هي في الاساس ملك للشعب وان الدولة تديرها فقط وان هذا حق لكل مواطن يحمل الجنسية السعودية وهذا امر صحيح من الناحية النظرية, ولكن عملياً اجهزة الدولة هي من يدير تلك الثروة. مايهم هنا هو وجود التبيان بين موارد المجتمع بدون النفط وبعد النفط. كان الغرض من استخدام لغة الارقام في الجزء الاول هو اثبات ريعية الدولة السعودية وان المجتمع السعودي يعيش على مصدر خارجي لا علاقة له بانتاجية السكان وحتى لو عندنا الى الخطة الخمسية الاولى 1970 او الخطة الخمسية الثانية 1975 والتي كانت فترة مفصلية في حياة السعوديين سوف نجد ان الدولة تركز على اهمية النفط في دفع خططها التنموية ( حتى ولو وضعت تنويع مصادر الدخل كاحد اهدفها منذ عقود وهذا الهدف لم يتحقق بعد). هذا يأخذنا الى النقطة التالية والتي تبحث في ماهية هذا النظام الريعي او ماهي الخصائص التي يمتاز بها النظام الريعي اقتصادياً وسياسياً وماهي انعكاساته الاجتماعية. في مقال نشرته كلية باريس للشؤون الدولية حول خصائص التفاعل بين السياسة الاعمال في المملكة العربية السعودية جاء فيه الخصائص التي يمتاز بها النظام الريعي في مثل الحالة السعودية. توجد ستة ديناميكيات تميز الاقتصاد الريعي 

  الاولى: مركزية الدولة " فهي الوسيط" بين قطاع النفط وبين بقية قطاعات الاقتصاد

الثانية: استقلالية الدولة, نظرياً الدولة الريعية لا تعتمد على اي مجموعة اجتماعية ولاتعتمد على الضرائب من المواطنين; بدلاً من ذلك, المجتمع يعتمد بصورة كبيرة على الدولة في توزيع المصادر كالقيام بوظيفتها في كونها الموظف الرئيسي للقوى العاملة, المصدر لعقود الاعمال الاكثر ربحية (المناقصات) وتقديم الدعم المباشر والمعونات الاجتماعية

الثالث: تكيف المجتمع مع الممارسة الريعية حيث تعتبر الجنسية " مصدر لفائدة اقتصادية" والمواطنون يتعادون بشكل متزايد لتلقي دخل غير مكتسب ( مثل الوظائف الشكلية او الدعم المباشر للطاقة والاستهلاك النهائي للمواد الغذائية)


الرابع: الاقتصادات الريعية تهمش الانتاج الاقتصادي و الزراعي والتي هي مدعومة وغير تنافسية. بسبب حجم الموارد (النفط) هنالك تحرك ضد الانتاج


الخامس: لا توجد ضرائب بدون تمثيل بمعنى ان التمثيل السياسي لا يمنح اويكون ممكناً طالما ان الدولة تستطيع ان تعمل بشكل مستقل والمجتمع هو من يعتمد عليها

السادس: العدد الكبير من العمالة الوافدة. رواتب المواطنين تحددها المساومة السياسية بينما رواتب الاجانب تحددها المنافسة لذلك تكون منخفضة ولا يوجد اي تمثيل لهم. ( هانا لينمان: 5&6 :2015)

 لو عدنا الى الحالة السعودية وحاولنا تطبيق هذه الخصائص عليها لوجدنا تقارب كبير بينها وبين الواقع السعودي. الخاصية الاولى: تشكل الدولة السعودية الرابط او الوسيط بين الموارد النفطية وبقية قطاعات الاقتصاد, والشركة المصدرة للنفط ارامكو تعود ملكيتها للدولة السعودية ولا توجد اي شركة اخرى تمتلك الحق في التنقيب واستخراج النفط في المملكة غير ارامكو وهذا ما يمكن الدولة من ان تكون المهيمن في العملية الاقتصادية مثل خلق الوظائف وانشاء المشاريع. الخاصية الثانية: الدولة السعودية مستقلة اقتصادياً عن المجتمع واثبتت الارقام انه خلال 10 اعوام تراوحت ايرادات الدولة فيها من  النفط بما مقداره 90% من حجم كامل الايرادات وهذه الايرادات مستقلة عن القطاع العام الذي تنفق عليه الدولة ويعتمد عليه السواد الاعظم من المواطنين كالحصول الى على الوظائف والخدمات والدعم. الخاصية الثالثة: من يرصد الحراك السعودي الاجتماعي يرى فيه تأثير الممارسة الريعية على سلوك المواطنيين, حيث اصبح المواطن معتاد على ان تقدم الدولة الوظيفة, الفرصة التعليمية و بعض الخدمات الاخرى مثل القروض العقارية,الزراعية والتجارية كحق يمنح له طالما انه يحمل الجنسية السعودية. الخاصية الرابعة: تهميش الانتاج الصناعي  والزراعي. السعودية لاتملك صناعة حديثة متطورة كصناعة السيارات,الطائرات,البواخر او الالكترونيات. الانتاج الصناعي في داخل السعودية في الغالب يذهب الى الاستهلاك المحلي حيث وجدنا مثلاً في عام 2014 ان 76% من صادرات السعودية هي نفط خام, والبقية نفط مكرر او مشتقات نفطية. اما الانتاج الزراعي فالسعودية دولة تتميز بجغرافيا صحراوية في مناطق كثيرة والمياه بها شحيحة ولذلك هي بيئة غير مناسبة للزراعة (حتى وان جرى في اوقات سابقة اقامة مشاريع اقتصادية مثل زراعة القمح, حيث كانت السعودية مكتفية ذاتياً من القمح ولا تستورده في الثمانينيات بل تصدره, ولكن نتائج ذلك المشروع كانت كارثية على استنزاف المياه الجوفية مما ادى الى وضع خطط تؤدي الى التقليل من انتاج القمح المحلي ( 21 ). الخاصية الخامسة: التمثيل السياسي وتأثيير عدم وجود ضرائب على الحياة السياسية. في الواقع السعودية من اقل دول العالم ديمقراطية حيث لا توجد بها سوى انتخابات بلدية ولا توجد بها احزاب سياسية او حتى مجلس نواب ومجلس الشورى عبارة عن مجلس يخضع للتعيين من قبل السلطة السياسية و احد الاسباب التي تساعد السلطة السياسية في ابقاء التمثيل والمشاركة الشعبية في ادنى مستويتها هو عدم وجود ضغوط اقتصادية عليها تجعلها تزيد من درجة الانفتاح السياسي( عندما هبت موجات الربيع العربي, اخذت السعودية سياسات ركزت على الجانب الاقتصادي لتجنب الدخول في معمعة الثورات وذلك بدعم المستهلك السعودي (المواطن), وهذا قد يستخدم كدليل في الكيفية التي تعالج بها الدولة الريعية الاستحقاقات السياسية). الخاصية السادسة: هي واضحة في الحالة السعودية حيث يشكل الوافدون ثلث سكان البلاد ويشكلون اكثر من 50% من حجم القوة العاملة في السعودية كما بينا سابقاً بالارقام, وهم من يعملون في المهن اليدوية والحرفية باجور زهيدة حيث كما وجدنا ان متوسط الدخل بالنسبة لهم في حدود 1150ريال, بينما متوسط الدخل للسعودي في القطاع العام في حدود 9555ريال. هل ذلك لان السعودي يعمل بكفاءة وانتاجية اكبر؟ بل على العكس, انتاج موظف القطاع الخاص الذي يشكل الاجانب 85-90% تعادل ضعفي انتاجية القطاع العام الذي يشكل السعوديين النسبة الاكبر به( الشلهوب :2016). لكن لماذا يوجد هذا التفاوت في الدخل؟ من المفترض ان يوجد تفاوت في الدخل لصالح القطاع الخاص وليس العكس اذا ما ربط الدخل بالانتاجية ولكن ما يحدث هو العكس, حيث الدخل اعلى في المكان قليل الانتاجية والعكس. من الواضح ان الاسباب سياسية وليست اقتصادية تتعلق بالقوانين الاقتصادية تلك التي تربط الدخل بالانتاجية. الامر يبدو الى حداً كبير اشبه ببرنامج الرعاية الذي توفره الدولة للحد من البطالة وادخال اكبر عدد ممكن من السكان في النظام الذي يعتمد في وجوده الاقتصادي على عائدات النفط, وهذا قد ينجب البلاد بعض الاضطرابات السياسية كما حدث في موجة ثورات الربيع العربي التي عصفت بالكثير من دول الشرق الاوسط وتجنبتها دول الخليج الريعية باستثناء حالة البحرين .بالعودة الى موضوع الانتاجية,  ضعف انتاجية القطاع العام من  السمات التي تتميز بها الدولة الريعية من الجانب الاقتصادي كما تذكر الباحثة تيري كارل وتسميها ب لعنة الموارد حيث تقول [ احد الامور التي تشتهر بها الدولة الريعية هو عدم الفاعلية لأن النشاط الإنتاجي يعاني, ويمكن أن تؤدي عدم الفاعلية الى دورات التنمية "المفرغة". معا، كل هذه العوامل تبطئ النمو تضع حواجز قوية أمام تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط وتنتج أنماط التنمية المنحرفة التي توصف بلعنة الموارد](تيري  كارل 2007). في الحالة السعودية ثروة النفط  تلعب  دور البديل لتغطية هذه التشوهات الاقتصادية المتمثلة بضعف الانتاجية مع وجود دخل مرتفع للقطاع العام ذو الانتاجية الاضعف

اهمية دور القطاع العام الحكومي على حالة الاقتصاد في السعودية من الامور التي اثبتتها لغة الارقام والابحاث الاقتصادية كبحث صندوق النقد الدولي 2016 الذي تم الاقتباس منه سابقاً. اعتماد العدد الاكبر من السعوديين في داخل قوة العمل على القطاع الحكومي المعتمد على عائدات النفط يلخص الحالة الريعية السعودية. مايعزز الثقافة الريعية "ان صح تسميتها بذلك" كما ورد في خصائص الدولة والمجتمع الريعي هو الفرق بين موارد الدولة والقدرة الانتاجية للمجتمع ومن هنا ندخل للاثار الاجتماعية التي يخلقها الاقتصاد الريعي.  في بحث للدكتور ستيفين هيرتوج والذي نشرته جامعة كامبرديج في 2010 (علم الاجتماع في انظمة الخليج الريعية: مجتمعات من الوسطاء) تطرق الى الفروق بين موارد الدولة وموارد المجتمع وكيف ان ضعف الموارد التي يملكها المجتمع والتي قد يكون من الممكن انتاجاها عن طريق القطاع الخاص (هذا يعتمد على درجة التطور الاقتصادي للمجتمع)  تجعل الافراد يبحثون عن حلول اخرى وذلك بالاتجاه نحو الدولة. اقتبس من البحث المشار اليه حول هذه النقطة حيث يقول [لتحري الدقة، فإن ما يهم ليس هو الحجم المطلق لموارد الدولة ولكن الاهم هو نسبة مواردها إلى الموارد التي يملكها المجتمع: فخدمات الدولة ستكون أقل قيمة نسبياً إذا كان لدى المجتمع قدرة إنتاجية كافية لتلبية الاحتياجات الفردية من خلال القطاع الخاص و سوف يتم بذل جهود فردية اقل ( بحكم ان القطاع الخاص يوفر تلك الخدمات)  للوصول إلى خدمات الدولة ومواردها. وفي العادة، اذا كانت ثروة القطاع الخاص اقل  و القدرات الإنتاجية في المجتمع منخفضة بالنسبة لموارد الدولة فان هذا سوف يعزز إعادة توجيه الأفراد نحو السلع التي تقدمها الدولة. ومع ذلك، فإن نسبة موارد الدولة إلى الموارد المجتمعية منحرفة بشكل خاص إلى الدول الريعية ( بمعنى ان الدولة تملك موارد اكثر). ويتجلى هذا في الدور غير المتناسب لموارد الدولة في حياة مواطني دول مجلس التعاون الخليجي في توفير الدولة للصحة والتعليم أو المرافق المجانية أو المدعومة] (هيرتوج2010: 4). في الاقتباس السابق اشارة الى التفاوت بين حجم موارد الدولة الريعية والمجتمع. الدولة الريعية تستمد قوتها الاقتصادية من وجود القطاع النفطي وهذا يعطيها ميزة في مقابل الموارد التي يملكها المجتمع. وجود تفاوت بين موارد الدولة وبين قدرات المجتمع الانتاجية تجعل الكفة تميل الى صالح الدولة وتوجه المجتمع نحو الدولة لتلبية الاحتياجات بدل ان يعيل المجتمع نفسه من خلال التبادل في السوق الحرة او بعبارة اخرى من خلال القطاع الخاص. لا يهم وفقاً للدكتور هيرتوج حجم موارد الدولة بقدر نسبة تلك الموارد الى الموارد التي يملكها المجتمع والتي لا تقع في اطار ملكية الدولة. عندما تكون نسبة موارد الدولة اكبر من تلك الي يملكها المجتمع فهذا سوف يجعل من الدولة المتحكم الاكبر في الاقتصاد ويحدث تأثير اجتماعي بتعزيز دور موارد الدولة في حياة المواطنين والعودة الى الدولة لتلبية الاحتياجات المجتمعية مثل خلق الوظائف, رفع مستوى الدخل وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية بدل ان يقوم بهذا السوق . اذا ماعدنا بالتاريخ الى الوراء قليلاً وتحديداً قبل ستة عقود بالتحديد قبل طفرة السبعينات ونرى ماهي موارد الدولة وماهي موارد المجتمع سوف نجد التالي : بشكل عام الدولة كانت تعيش على الايجار الريعي وهذا الحال منذ الاربعينات وكانت العائدات المالية قليلة مقارنة بما حصل بعد الطفرة لعدة اسباب منها ان اسعار النفط كانت منخفضة حيث سعر برميل البترول في حدود الدولار وارتفع بعد الطفرة ليصل الى 12, اضافة الى حقوق ملكية شركة الزيت حيث كانت الدولة لا تملك شركة ارامكو بشكل كامل وانما فقط تأخذ ايجار ريعي من الشركة الامريكية اي انها لا تستطع الاستئثار بكامل ارباح الصناعة النفطية , يضاف اليها ان ان الصناعة النفطية بشكل عام كانت في مراحل تطور في العقود التي سبقت الطفرة والامكانيات التصديرية اقل قبل عقد السبعينات. بعد الطفرة تغير الحال وارتفعت اسعار النفط بشكل صاروخي  بعد عام1973  وامتلكت الدولة مايقارب 60% من ارامكو, وقبل الطفرة بقليل اي في عام 1970 تجاوزت شحنات الزيت الخام والمنتجات النفطية من رأس تنورة مليار برميل في السنة للمرة الاولى ( ارامكو ). مع بداية السبعينات حدثت تغييرات كبيرة بالنسبة الى الموارد التي تملكها الدولة نتيجة لهذه الاسباب وتحولت من دولة فقيرة الى دولة لديها موارد ضخمة نتيجة لوجود احد اكبر مصادر الطاقة في العالم على ارضها. في المقابل ماهي موارد المجتمع في ذلك الوقت؟ الصورة العامة هي صورة مجتمعات محلية صغيرة تعيش في انماط اقتصادية اقرب الى البدائية ولم تدخل بعد الى طور المجتمعات الحديثة من حيث وجود اقتصاد متطور يخلق الثروة. تستطيع رصد الملامح العامة لاي مجتمع من خلال بعض المؤشرات مثل نسبة الامية و الرعاية الصحية, حجم الاقتصاد ومدى التطور التقني,الصناعي, العسكري في ذلك البلد. يمكننا استخدمنا التعليم والصحة كمؤشرات لرصد حالة المجتمع السعودي قبل طفرة السبعينات حيث نجد ان النسب تشير الى وجود فقر في الرعاية الصحية و ضعف في الامكانيات التعليمية. كانت نسب الامية مترفعة ومعدلات الوفيات للمواليد شبيه بتلك التي في افقر دول العالم. في عام  1972 كان اكثر من نصف الشعب سعودي امي لا يجيد القراءة والكتابة حيث بلغت نسبة الامية 60% ( 22). هذه النسبة مرتفعة جداً بالنسبة الى المجتمعات الصناعية الحديثة في ذلك الوقت, وحتى نسبة 60% تعتبر جيدة , حيث توجد احصائيات اخرى ترفع هذا الرقم الى 80% او اكثر, ومن المؤكد ان حالة التحديث النسبي التي حصلت في الستينات ساهمت في التخفيف من حجم الامية. في الاربعينيات اي السنوات الاولى لتصدير النفط سوف نجد ان نسب الامية كانت في حدود 90%( 23). عندما اراد وزير الخارجية السعودية عادل الجبير توضيح التقدم الذي احرزته المملكة العربية السعودية في العقود الماضية استشهد بالتطور الذي حصل في مجال التعليم والرعاية الصحية حيث قال " على سبيل المثال قبل 50 عاما مضت أي في 1960 لم تكن هناك مدارس للفتيات، أما اليوم فإن 55% من الطلبة هن من السيدات، أكثر من 60% من الخريجين هن من السيدات، قبل 50 أو 60 عاما 9 من بين 10 لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة، أما اليوم فكل سعودي يرتاد المدرسة، في جيل والدي كان متوسط الأعمار 37 سنة، أما بالنسبة لجيلي فتعدى الـ 70، وهذا تغير كبير، قبل 60 عاما كان معدل وفيات الرضع بمستوى دول جنوب الصحراء الإفريقية أما اليوم فهي بمعدل دول غرب أوروبا" (24) . تحسنت اوضاع التعليم كثيراً في العقود الماضية حيث تعد السعودية اليوم من اقل الدول التي بها نسب امية "ابجدية" في العالم. الثروة النفطية مكنت الدولة السعودية من تحسين احوال التعليم والانفاق عليه, حيث تشكل الوظائف التعليمية 43% من مجمل الوظائف التي يقدمها القطاع الحكومي اضافة الى ذلك برامج الابتعاث وتحفيز الطلبة للالتحاق بالتعليم الجامعي وذلك من خلال تقديم مكافأت مالية. النفط جعل النفقات الحكومية على التعليم ممكنة وذلك دون حتى وجود ضرائب كما هو الحال في مناطق كثيرة من العالم . النقطة الثانية و التي من خلالها احاول ان ارصد جانب من جوانب الرعاية الصحية والذي قدم يستخدم كمؤشر لرصد الحالة الصحية في السعودية قبل واثناء السبعينات. الجدول التالي يوضح نسبة الوفيات بين المواليد في الدول العربية منذ السبعينات حتى التسعينات 

 
كانت نسبة الوفيات بين الرضع في السعودية 105 لكل الف مولود جديد في 1972 وانخفضت الى 29 بحلول 1992. للمقارنة, كانت نسب الوفيات للرضع في الولايات المتحدة 20 لكل الف مولود جديد في 1970, اقل من النسبة التي وصلت اليها السعودية بعد التحسن في بداية التسعينات ( 25). مثال اخر للمقارنة, نسبة وفيات الرضع في اليمن في 1972 كانت184 في كل الف, وظلت مرتفعة حتى مع بداية التسعينات بنسبة 131 في كل الف. في السعودية كانت النسبة مرتفعة مع بداية السبعينات مما قد يشير ان الرعاية الصحية كانت تعاني من عيوب. المؤشر الآخر الذي استخدمه الوزير الجبير يتمثل في متوسط الاعمار حيث كان متوسط الاعمار 37 عام واليوم هو 70 وهذا تحسن كبير ويدل على مأساوية الحال قبل عدة عقود بما ان 37 عام يعتبر اليوم سن انتاجية يكون الافراد به في وضع صحي جيد. وجدت تقرير بريطاني مصور عن الحياة في السعودية اعد في الستينات حيث يوضح الدور الذي احدثه النفط في جعل السعودية مكاناً افضل من حيث الرعاية الصحية, حيث كان الشباب يموتون قبل سن الاربعين ويصاب الكثير من الاطفال بالعمى نتيجة لغياب رعاية صحية اولية (26). مكنت الاموال النفطية السعودية من جلب خبراء من المملكة المتحدة لتطوير نظام الرعاية الصحية كما ذكر التقرير, واعتقد ان دراسة تطور النظام الصحي في السعودية سوف تبين الدور الضخم والحيوي للنفط في تطوير الرعاية الصحية. تطوير البرامج الصحية ادى الى تقليص عدد وفيات الاطفال ورفع متوسط العمر ليصل الى مستويات مرتفعة.  مؤشر التعليم والصحة تبين كيف كانت الحالة قبل وبعد تدفق الثروة النفطية. الامر لم يحدث بين ليلة وضحها بل استغرق عقود من العمل والتحديث حتى وصلت السعودية اليوم الى ما هي عليه.  بالعودة الى موارد الدولة, وجدنا تدفق كبير للثروة حصل مع بداية السبعينات وانعكست اثاره على المجتمع من حيث توفير المسلتزمات الحياتية الضرورية مثل الكهرباء, المياه المحلاه, التعليم, خطوط المواصلات والصحة. من مقال آخر للدكتور ستيفين هيرتوج حول التغييرات الضخمة التي خلقتها الثروة النفطية في منتصف السبعينات حيث يقول [ ارتفع إنتاج الكهرباء من ملياري كيلو وات ساعة في العام 1969 إلى 44 مليارا في عام 1984. وارتفعت إمدادات المياه المحلاة من صفر إلى 350 مليون غالون يوميا خلال نفس الفترة. وتضاعف إجمالي طول الطرق المعبدة أربع مرات] (هيرتوج: 2012). هذه مؤشرات اخرى تدل على حدوث تغيير جوهري وجذري في حياة المواطن السعودي. اذا مادمجنا موارد المجتمع وموارد الدولة وحاولنا رسم صورة للواقع على الاقل من بعد الطفرة النفطية. سوف نجد مجتمع يفتقر الى الكثير من الموارد التي تمكنه من بناء اقتصاد منتج على نمط الاقتصادات الحديثة في غرب اوربا او شرقها والولايات المتحد واليابان مثل رأس المال البشري (كان عدد السكان في حدود ثلاث ملايين ونصف في الخمسينات مع وجود نسبة امية كبيرة), البنى التحتية, الثقافة و التقدم الاجتماعي الذي يساعد على دفع عجلة الاقتصاد في مقابل دولة اصبحت اغنى بعد عملية تحول تاريخي للثروة من اطراف خارجية. بما ان الدولة وليس القطاع الخاص هو من كان يملك تلك الثروة النفطية, اصبحت الدولة باجهزتها البيروقراطية الناشئة هي من يقود خطط التمنية في البلاد لخلق مجتمع جديد مختلف عن ما اعتدات عليه المجتمعات المحلية في شبه الجزيرة العربية. اقتبس من كتاب ريادة الاعمال الاسلامية فقرات تتحدث عن هذا التحول التاريخي الذي حصل في السعودية[ عائدات النفط الضخمة جعلت من الممكن للملكة العربية السعودية ان تتحول من الثقافة البدوية واحد اقل الدول تطوراً على الارض الى بلد منظم بشكل كبير وسريع التطور مع بنية تحتية حديثة. في اواخر عهد الملك فيصل والذي وصف بشكل رائع هذا التحول السريع عندما لاحظ ان السعوديين تحولوا من ركوب الجمال الى ركوب سيارات الكاديلاك في جيل واحد. هو حذر ان الانفاق غير المسؤول قد يعيد السعوديين الى ركوب الجمال مرة اخرى. اموال النفط ايضاً جلبت تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة ومكنت الدولة من دفع مجموعة من السياسات الاجتماعية مع برامج تهدف الى رفع مستوى المعيشة للمواطنيين] (كايد, حسن:2011). يمكن رصد ملاحظة هنا وهي وجود حركة انقطاع تاريخية من اعادة تدوير المجتمعات الصغيرة المتناثرة من الرعاة والمزارعين في شبه الجزيرة العربية, بمعنى ان تلك المجتمعات كانت تكرر نفسها لقرون ويدل على ذلك ان السعودية كانت احد اقل دول العالم تطوراً قبل حقبة النفط ولم تكن مواكبة لمستويات التقدم الاقتصادي,العلمي والتقني  الذي وصلت اليه بعض الدول العالم بدخولها للنظام الرأسمالي. التحول من الجمال الى السيارات والطائرات كان عملية ولد معها مجتمع جديد وتمركزت الدولة في قلب هذا التحول التاريخي متمثلة ببيت آل سعود على رأس الهرم. في الاساس ساعد النفط على تشكل كيان الدولة الوطنية الحديثة في شبه الجزيرة العربية والتي لم تعرف ذلك التطور السياسي من قبل.  امتلكت الدولة الموارد التي مكنتها من ان تصنع لنفسها وجود في حياة الافراد, فعلى سبيل المثال ارتفع متوسط الدخل للفرد السعودي من 4800 ريال الى 8200 بين 1970 الى 1979 (السيف,1986-37).  هذا الدخل لم يرتفع نتيجة لرفع الكفاءة الانتاجية, بل بسبب الطفرة النفطية التي مكنت الدولة من ضخ المزيد من الاموال للمواطنين عن طريق الوظائف الحكومية. من الواضح ان هناك  تباين بين القدرات الانتاجية للمجتمع ( الذي تخلى عن الانماط القديمة للانتاج ) وحجم موارد الدولة والتي جعلت الكفة تميل لصالح الدولة وتوجه المواطن اليها بما يشبه رسم عقد اجتماعي جديد. فيما يخص النشاط الاقتصادي في دولة كالسعودية بها تباين في الموارد بين ما تملكه الدولة ومايملكه المجتمع, هذا التباين مكن الدولة من جعلها الموظف الاكبر في الاقتصاد مما ادى الى تضخم في القطاع العام لتستوعب اكبر عدد ممكن من السكان وتوفر لهم مصادر دخل ثابتة. يقول الدكتور هيرتوج [ في حين أن القطاع الخاص في منطقة الخليج لديه الآن موارد رأسمالية متراكمة وقد حسن أيضا قدراته الإدارية مما مكن من خصخصة بعض وظائف الخدمة العامة على الأقل، فإن النظرة الأوسع للموارد البشرية وإنتاجية العمل بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال قاتمة. وكما يظهر في الجدول 1، باستثناء البحرين، فإن غالبية القوى العاملة الوطنية في كل بلد تعمل في القطاع المتكدس بالموظفين( القطاع العام)، مقارنة بمتوسط دول العالم النامي البالغ 6 في المائة (منظمة العمل الدولية 1994). ويهيمن المغتربون على القطاع الخاص] (هيرتوج 2010: صفحة:5 ). نستطيع ان نستنتج ان ان الدولة وبالموارد التي امتلكتها بعد الطفرة استطاعت ان تخلق مجتمع جديد مغاير في بعض التفاصيل عن ما كان عليه قبل الطفرة. اهم ما يميز هذا المجتمع الجديد هو دور الدولة في حياة الافراد وفي صقل الثقافة العامة للسكان. اصبح السعودي يرى في الدولة المفتاح لحل كل المشاكل الاقتصادية, حيث الاجيال الجديدة من السعوديين لاتزال على الدولة في توفير قوتها. لقد كان للدولة الريادة الاقتصادية في اعادة صياغة الحياة في السعودية وذلك لان القدر او الحظ حالفها واكتشفت اكبر احتياطات للطاقة في الكوكب على ارضها. اذا ماعندنا الى حديث الصحفي الكندي أندرو نيكيفوروك حول ماهية الدولة النفطية حيث يقول ان النفط يجعل الدول ( سمينة وكسولة). بطبيعة الحال الدولة كيان اعتباري ولكن الافراد في داخل الدولة هم من يشكلون ذلك الكيان ومن يصبح سمين وكسول هو الانسان في تلك الدول. تعبير السمنة والكسل هو وصف حالة اقتصادية قد تتمثل بالمرض الهولندي: اي تلك الحالة التي اصابت الشعب الهولندي بعد اكتشاف حقول الغاز في هولندا وتخلى الهولنديون عن الانتاج الاقتصادي وذهبوا للتمتع بتلك الثروة التي تحولت اليهم من بيع الغاز وظهرت اعراض الكسل والرفاهية على المجتمع الهولندي. المقصد ان تكديس الموظفيين في القطاع العام وخلق بيروقراطية ضخمة لتوفير الوظائف للسكان كان اشبه ببرنامج الرعاية الاجتماعية منه لكونه حاجة اقتصادية. في البداية كانت السعودية دولة بحاجة الى وجود مؤسسات للنهوض وهذا يبرر التوسع في خلق بيروقراطية ولكن توسع البيروقراطية على حساب الكفاءة الاقتصادية يعد عملية مستحيلة عملياً لولا وجود النفط ( ولهذا تظهر نوبات الهلع مع كل انخفاض لاسعار النفط ). ربما تكون الحالة السعودية حالة فريدة في التاريخ الانساني من حيث التطور السريع حتى وان كان سطحياً او شكلياً, حيث انتقلت من دولة فقيرة معدمة الى احد اغنى امم الارض وما رافق هذا التحول من اثار اجتماعية, اقتصادية وسياسية. لو عدنا الى موضوع الانتاج لوجدنا ان تحويل الثروة من الخارج الى الداخل ساهم في خلق الاتكالية على الغير في الانتاج وان السعودي في حالات كثيرة فقط يتلقى اموال من الدولة على هيئة وظائف لا تدعم وجودها اقتصادياً او بدعم مباشر مثل دعم الاستهلاك. لو اردنا رسم صورة عامة للتغييرات التي حصلت في المجتمع السعودي فلربما نجدها كالتالي: من مجتمع فقير معدم يعاني الامية وسوء الرعاية الصحية الى مجتمع استهلاكي حديث على النمط الرأسمالي لعبت الدولة الوطنية الحديثة  دوراً ضخماً في صياغته


في الختام كان هذا البحث وصفي اكثر من كونه تحليلي للحالة السعودية حيث  شرعت في وصف الحالة الريعية او الدولة الريعية السعودية بالارقام والمعطيات في الجزء الاول. في الجزء الثاني من البحث تطرقت الى ولادة المجتمع الجديد وبعض سمات هذا المجتمع وبعض المراحل التاريخية التي مر بها في عملية التطور التي رافقت تطور الصناعة النفطية وذلك باستخدام معطيات مثل الحالة الصحية والتعليمية. في الاخير لنسأل هذا السؤال:  هل من المنصف ان يقال ان المجتمع السعودي لولا ثروة النفط وتبني الدولة السعودية برامج تطويرية كان سوف يظل مجتمع فقير يعيش ثقافة الترحال البدوية او الثقافة القبلية التي تعتمد على الزراعة في بعض جوانبها مع وجود درجة من التبادل التجاري البسيط بمعزل عن التطورات العصرية؟ في الواقع من الصعب الاجابة على سؤال افتراضي بدقة, ولكن وكما رأينا ان المؤشرات تشير الى ذلك من انعدام ابسط اشكال التطور الاقتصادي والاجتماعي في السعودية قبل تدفق الثروة الكبيرة من النفط, بل الى اليوم لم تستطيع عقود من النفط على خلق اقتصاد حديث متطور منتج ولا تزال الدولة السعودية معتمده على هذا المصدر الوحيد من الدخل. لو رجعنا الى تاريخ الدولة السعودية الاولى في القرن الثامن عشر والدولة السعودية الثانية في القرن التاسع عشر فسوف نجد حالة اقتصادية مشابهه لما كانت عليه السعودية قبل تدفق النفط اي الانماط الاقتصادية البسيطة  والتي تصفها مؤسسة النقد في حديثها عن التطور التاريخي للعملة السعودية [ كانت البلاد قبل دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل مدينة الرياض سنة 1319هـ (1902م) تعيش حالة من الفوضى السياسية، فالبلاد عبارة عن أشلاء متناثرة ومتناحرة في الوقت نفسه، والروابط واللحمة الواحدة تنعدم فيما بينها. فكل إقليم يمثل كياناً مستقلاً في جميع شؤونه، ناهيك عن أنه لم يكن لأي منها شيء من كينونة الدولة السياسية بمعناها الحالي. وقد انعكس ذلك بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية التي كانت تعاني انهياراً في معظم مقوماتها، مما أدى إلى تحويل معظم مجتمعاتها إلى قبائل رحل تعتمد في إتمام عملياتها التجارية بشكل كبير على نظام المقايضة، ويكاد هذا الوضع ينطبق وبشكل كبير على الأجزاء الداخلية من البلاد] (مؤسسة النقد). نظام المقايضة الذي كانت تعتمد عليه مجتمعات الجزيرة العربية وهو ان تأخذ بضاعة مقابل بضاعة ولا يوجد نقود هو احد اقدم اشكال التبادل التجاري والذي تلاشى مع عمليات التطور الاقتصادي وهو دليل على بدائية الحالة الاقتصادية.  لا يوجد عملة تميز الدولة السعودية الاولى والثانية وكان اهل الجزيرة يعتمدون في التبادل اما على المقايضة او على العملات الاجنبية مثل الريال الفرانسي ( ريال ماريا تيرازا) او العملات العثمانية والانجليزية , و لم تعرف السعودية العملة المحلية الوطنية الا في عهد الملك عبدالعزيز, حيث تطورت من العملات المعدنية الى العملة الورقية مع مطلع الخمسينات (28). غياب عملة محلية قد يرمز الى انعدام التطور الاقتصادي وبساطة التبادل التجاري. ومن هنا يأتي التساؤل: كيف لمجتمعات ( اقصد المجتمعات في داخل السعودية وتستطيع ان تصفها بالمجتمع الواحد) كانت يعيش في اوضاع اقتصادية بدائية متخلفة وفي غضون جيل او جيلين تحولت الى مجتمع استهلاكي حديث؟   ما فعله النفط هو خلق ذلك المجتمع الاستهلاكي وذلك بتوفير العملة الصعبة اي الثروة من جانب وتوفير الطاقة الرخيصة للاستهلاك المحلي من جانب اخر وهذا ساعد في صناعة طبقة متوسطة سعودية "ولوكانت بشكل اصطناعي" من بقايا المجتمعات القديمة, مجتمعات البدو الرحل, المزارعين والصيادين على السواحل .ايضاً النفط لم يخلق الطبقة المتوسطة وحسب, بل ساهم في خلق نخب في غاية الثراء وبعض افرادها يعدون من اغنى الاشخاص في العالم (33). هل تتخيل التحول التاريخي الضخم والذي قد يكون حالة فريدة في التاريخ الانساني  من مجتمع الى ما قبل عقود قليلة يعاني من الامية, الفقر, المرض ولا يملك حتى شبكة للمياه المحلاة والكهرباء الى مجتمع  يتربع افراد منه  على قائمة اغنى اثرياء الارض؟.الثروة النفطية جعلت هذا ممكناً واختصرت قروناً من التطور الاقتصادي كانت السعودية سوف تحتاج اليها بدون النفط لتصل الى ماهي عليه اليوم. بالعودة الى الطبقة المتوسطة "الاصطناعية" السعودية وكيف تؤثر عائدات النفط عليها.  العملة الصعبة التي يوفرها النفط تساعد المجتمع السعودي على تلبية الاحتياجات الاستهلاكية عن طريق الاستيراد. على سبيل المثال حجم الواردات السعودية في2015  بلغ 167 مليار دولاد (29). ماجعل السعودية قادرة على ان تستورد بهذا الحجم هو وجود مصدر يوفر لها العملة الصعبة اي النفط. في نفس العام بلغت حجم واردات السعودية مايقارب 134 مليار دولار من نفط خام, مكرر ومشتقات بتروكيميائية واخذ النفط الخام نصيب الاسد بحجم بلغ 100 مليار دولار. النفط ايضاً يوفر الطاقة التي تحتجها السعودية في الاستهلاك الداخلي  حيث استهلكت السعودية في 2015  متوسط يبلغ 2.7 مليون برميل يومياً (30). في 2015 احتلت السعودية المرتبة الخامسة في حجم استهلاك الطاقة عالمياً بعد الولايات المتحدة, الصين, الهند واليابان (31). من الصعب على السعودية تلبية حجم هذا الاستهلاك لو لم تكن هي تملك مخزونات ضخمة من النفط. النفط يلعب اكثر من دور في حالة السعودية فهو يجعلها قادرة على جلب الثروة من الخارج وفي نفس الوقت يجنبها شراء الطاقة من الخارج الا في استثنائات قليلة حيث تستورد السعودية البنزين لتسد العجز في الطلب بين ما تنتجه وتستهلكه حيث بلغ ذلك في 2014 مايقارب 16% (32). الاجيال الجديدة من السعوديين لم تعرف مجتمع الفقر الذي كان قبل ظهور النفط  او حفي العقود الاولى من اكتشاف النفط, لانها لم تمر بتلك المرحلة التاريخية, ولسبب آخر قد اجادل فيه وهو غياب المعرفة الحقيقية للدور الهائل الذي لعبه النفط في حياة السكان وهذا قد يولد شعور زائف بأن حالة الاقتصاد السعودي الحالية هي الحالة الطبيعية, بينما في الواقع هي حالة استثنائية وقد تكون مؤقتة وقصيرة.  اعتقد ان دراسة التأثيرات الاجتماعية التي خلقتها الثروة النفطية هي حاجة ملحة لتفسير بعض الظواهر السعودية, ولايمكن عزل تلك التأثيرات عن القضايا السعودية المعاصرة ولعل اهمها قضايا المرأة. النفط ساعد على اخذ العادات والتقاليد للمجتمعات القديمة ووضعها في اطار العمل المؤسسي دون النظر في جدوى تلك السياسات اقتصادياً وتأثيرها على حالة المجتمع الاستهلاكي من جانب خلق الثروة.  المجتمع الاستهلاكي الحالي غير مهتم بخلق الثروة والتكيف مع سياسات قد تؤدي الى ذلك وقد تكيف على الثقافة الريعية بما ان الثروة تتدفق من مصدر خارجي من عمل غير مكتسب. السعودية الان تمر بمرحلة تحول ومن الصعب التكهن الى اين سوف تذهب سواء من الناحية الاقتصادية, السياسية والاجتماعية. التغييرات الاقتصادية القادمة والتي اعلنت بوضوح تتمثل في تقليل الاعتماد على النفط كما يقال, او بعبارة اخرى تصف الحالة التي بها تضاعف عدد السكان من 5 او 6 ملايين في السبعينات الى 21 مليون الان وبات من الصعب عملياً الاستمرار في النمط الاقتصادي القديم. آن الاوان ان نتخيل كيف سوف تكون الحياة بدون موارد النفط او بالقليل منها في العقود القادمة  في شبه الجزيرة العربية التي بُعثت الى الوجود من جديد بعد ظهور النفط

المصادر 

   (هيرتوج 2012) 

A Rentier Social Contract: The Saudi Political Economy since 1979  

  ( مهداوي 1970)صفحة 1

The patterns and problems of Economic Development in Rentier States 


( عادلي : 2014)

عمرو عادلي في مقاله: "أساطير اقتصادية: اقتصاد مصر الريعي"

ارامكو

السبعينيات : النمو

الثمانينيات: التحول


( السالم:2016)

الاقتصاد الريعي والاقتصاد المعرفي


( عكاظ:2017)

(4)

 

(5)

مفهوم ونشأة القطاع العام    

 

(صحيفة الاقتصادية العدد 8031 تاريخ 2016 ) (6)

 (8) (7) 

(صحيقة ارقام 2-4-2015)


 (9)

صحيفة ارقام 15-12-2015


(10)

صحيفة الاقتصادية 2015

(11)

صحيفة ارقام 26-10-2016

(البرجس 2016)

مولود سعودي كل دقيقة

(12)

(صحيفة ارقام 2016)

(13)
 ( صحيفة اليوم 2015)
(14)

(اليوم 2014)
(15)
(الجزيرة 2015)
(16)
  نائب وزير المالية الاسبق الدكتور عبدالعزيز الدخيل 
(17)
   (ارامكو) 
(18)
 ( ارامكو) 
 (لويس:13

Low-Cost Solar Electric Power

 ( نشأة وزارة التعليم)(19)

(الكساندر باكوفليف: السعودية والغرب 1979) 

(20)

Oil Shock of 1973–74

( ذيب الدوسري 36, 2012)

Consumer Culture in Saudi Arabia: A Qualitative Study among Heads of Household.   

  ( هانا لينمان: 5&6 :2015) 

Politics and Business in Saudi Arabia: Characteristics of an Interplay 

(21)

( صحيفة ارقام: تراجع انتاج القمح في السعودية لأدنى مستوى له في 30 عاماً )

 (تيري كارل :7:2007)

Oil-Led Development:Social, Political, and Economic Consequences

   (هيرتوج2010: 4)

The Sociology of the Gulf Rentier Systems: Societies of Intermediaries 

  ( ارامكو السبعينات)

(22)

( العرب نيوز :2012) 

(23)

للاطلاع اكثر حول نسب الامية قمت باجراء بحث سابق عن موضوع الامية في العالم العربي)

(24)

 (وزارة الخاريجة السعودية :2016) 

(25)
(26)
A Rentier Social Contract: The Saudi Political Economy since 1979 
Islamic Entrepreneurship