Tuesday, October 11, 2016

قرون من الأمية واثارها المدمرة

بن عاتق
10-11-2016

كنت و لا ازال شغوفاً بالتاريخ, فمعرفة الماضي تساعدنا على فهم الحاضر والتنبوء الى هذا الحد او ذاك بالمستقبل. الحرب العالمية الثانية من اكثر المواضيع التي احب التعلم عنها. شاهدت الكثير من الوثائقيات وقرأت العديد من الكتب عنها. تلك الحرب هي التي شكلت عالمنا الذي نعيش به اليوم, فهي اي الحرب كانت عبارة عن نهاية حقبة الاستعمار والدول التي كانت ترعاه و التي امتدت من القرن الثامن عشر حتى دخول الجيش الاحمر الى برلين وسقوط القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي واعلان اليابان والمانيا الاستسلام  في عام 1945. انتهت تلك الحرب بصعود عملاقين جديدين الى المسرح العالمي (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) , وسقوط الدول الامبريالية القديمة في غرب اوربا لتصبح مجرد دول من الدرجة الثانية مدمرة تتوسل المعونه بعد حربين طاحنة في اقل من 30 عام دمرت الشجر والحجر والبشر. تم تقسيم المانيا بين ستالين والغرب, اصبحت بريطانيا مجرد دولة تابعة للولايات المتحدة وكانت فرنسا دولة ممزقة من الداخل تنشط بها الحركات اليسارية من جانب وتحتفظ بعلاقة لابأس بها مع الولايات المتحدة. في الشرق تم تركيع اليابان التي كانت تحتل معظم ارجاء شرق اسيا (كوريا الموحدة قبل التقسيم,اجزاء من البر الصيني, اندونيسيا, الفلبين, ومنشوريا في اسيا الوسطى بين الاتحاد السوفيتي والصين), وتم تصفية جميع المستعمرات اليابانية وتقاسم تلك الغنائم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. في العالم العربي اعلنت العديد من الدول الاستقلال بُعيد نهاية الحرب الثانية مثل السودان 1955, ليبيا 1947,المغرب 1956,الجزائر 1960, موريتانيا 1960, وتم جلاء القوات الفرنسية عن سوريا في عام 1946 والبريطانية عن مصر في عام 1954. تستطيع ان ترى بوضوح ان العقد او العقدين اللتان تلت الحرب العالمية الثانية شهدت فترة تحولات ضخمة على الصعيد العالمي في مجال السياسة. دائماً ماكان يخطر ببالي وانا اشاهد او اتعلم عن الحرب العالمية الثانية السؤال التالي: ماهو الاسهام العربي في تلك الحرب او ماهو التأثير الذي خلقة العرب في في ذالك التحول الانساني الضخم والهائل؟ الجواب بالتأكيد لا شيئ جوهري وكبير. عندما اندلعت الحرب العالمية سواء الاولى او الثانية لم يكن وجود للدولة العربية بالمفهوم التقليدي للدولة الوطنية, وكان العرب لايزالون متخلفين عن زمانهم (ولم يتحسن الوضع كثيراً حتى الان) قرنين او ثلاثة قرون الى الوراء (ليس فقط العرب بل معظم دول الشرق الاوسط بما فيها ايران وتركيا). وجدت سبباً يمكن ان يكون احد الاسباب التي جعلت العرب لايساهمون في صناعة التحولات الدولية الكبرى في القرن العشرين مثل الحرب العالمية الثانية ويتمثل السبب في نسب الأمية العالية والمهولة جداً  في العالم العربي , وهي امية متوارثة صنعت تأثيراتها السلبية  السياسية, العسكرية, الاجتماعية والاقتصادية على الانسان في هذا المكان من العالم

يعرف قاموس اوكسفورد الأمية على انها "افتقار المعرفة في موضوع محدد; الجهل" ويعرفها بشكل آخر "نظام التعليم الغير فعال يعني ان الأمية كانت منتشرة"[1]. المفهوم الشائع عن الأمية هو عدم الألمام بالقراءة والكتابة, ولكنها في الواقع هي اي الأمية اشمل من حصرها في هذا الاطار الضيق. عدم الالمام بالقراءة والكاتبة يصنف على انه الأمية الابجدية. هناك انواع متعددة من الأمية, مثل الأمية الثقافية, الامية الوظيفية, الأمية العلمية والأمية الاقتصادية, وغيرها من الانواع والتي قد تصل تصنيفاتها الى 20 نوع من الأمية.على سبيل المثال, هناك امية علمية وهي الجهل بالعلوم وطرق الاستنباط التي تستخدم المنطق والدليل العلمي المثبت, او امية ثقافية بحيث ان الامي لايمتلك اي مخزون معرفي او ثقافي وجل مايعرفه هو الثقافة والبيئة التي ولد وترعرع بها وقس على ذلك. احصائات الامية دائماً ماتذهب فقط الى حصر عدد الذين لايجيدون القراءة والكتابة, واحصائات محو الامية تستخدم القياس نفسة فهي تحصي عدد الذين تعلموا القراءة والكتابة. لاشك من الممكن بناء وجهات نظر استناداً على تلك الاحصائيات وان كانت فقط تختزل الامية في عدم القراءة والكتابة ولاتحصي الانواع الاخرى. الامية الابجدية قد تعني بالضرورة وجود الانواع الاخرى من الامية غالباً, فالذي لايجيد القراءة والكتابة لن يعرف عن العلم والثقافة شيئاً, اميته الابجدية عنت وجود تلك الانواع الاخرى من الامية ولا يمكن ان تتوقع منه ان يقوم بالتحليل والاستنباط العلمي, او يستطيع استيعاب الثقافات المختلفة عن ثقافته الام. الأمية تترك آثار مدمرة على الفرد والمجتمع. نشرت منظمة اليونيسكو بحثاً للآثار الاجتماعية والاقتصادية للامية جاء فيه" البحوث الحديثة في مجال علم النفس,التغذية وعلم الاعصاب تشير الى ان الخمس الاعوام الاولى هي حاسمة لتنمية الذكاء,الشخصية والسلوك الاجتماعي. في هذه الفترة من العمر ملايين الخلايا تولد,تنمو وتصبح مترابطة. عندما  لاتمنو عملية النمو,التطور والربط بشكل كافي, تطور الطفل يتأثر بشكل سلبي (اليونيسكو 2004)". ومن نفس البحث ايضاً "الاطفال الذين يولدون من اب وام يعانون الامية على الارجح ليس لديهم فرصة لتعلم الكثير مثل رموز الاتصالات والقراءة والكتابة". هذه الاثار هي فقط على المستوى الاصغر الجزئي في العائلة الصغيرة او على الفرد, فاذا كانت نسبة الامية ساحقة وكبيرة في مجتمع ما فانها تصبح خصائص لهذا المجتمع وتنتقل من المستوى الجزئي الصغير الى المستوى الكلي الاكبر, وهذا قد يكون احد اسباب الامراض الاجتماعية والاقتصادية لمجتمع ما. تاريخياً, كانت الامية الابجدية منتشرة بين البشر وكانت القراءة والكتابة والمعرفة بشكل عام محصورة في طبقات صغيرة وقليلة من البشر و السواد الاعظم من البشر يعانون الامية, وهذا لاسباب تاريخية واقتصادية وفنية صاحبت المسار التطوري للبشر. عرفت البشرية العلوم وطورتها منذ آلاف السنين ولكن اهمية العلم بدأت تتزايد في القرون الاخيرة وخصوصاً مع عصر التنوير الاوربي والثورة الصناعية واستخدام العلم في تطوير الانتاج الاقتصادي. بات حتماً ان القضاء حتى على الامية الابجدية ليس بكافي وان البشرية شقت طريقاً جديدة في المسار التطوري للبشر وذلك من خلال استخدام العلم لتطويع الطبيعة واستغلالها في الانتاج الاقتصادي, وتطوير العلوم الانسانية لبناء مجتمعات انسانية جديدة ومختلفة عن سابقاتها

بالعودة الى الحرب العالمية الثانية وفهم كيف كان المشهد الدولي في ذلك الوقت. الحرب كانت نقطة تحول انساني جديدة وهي عبارة عن ثورة صناعية ومعرفية ليست مقتصرة على الجيوش او المجال العسكري فحسب بل شملت جميع مناحي الحياة. بوادر الاختراعات الجديدة ظهرت مبكراً في الحرب العالمية الاولى مثل اختراع الدبابة, السلاح الكيماوي واستخدام وتطوير الهاتف, ولكن الحرب العالمية ثورت الصناعة والمعرفة وزادت من كفاءتها وفاعليتها بشكل كامل.على سبيل المثال,  طورت المانيا النازية صناعة الصواريخ خلال الحرب العالمية الثانية واخترعت الصواريخ البالستية وهذه المعرفة استخدمت لاحقاً لصناعة الصواريخ الخاصة برحلات الفضاء. كما طورت بريطانيا اجهزت الحاسوب والذكاء الرقمي لفك رموز الشفرات النازية, (والتي قد تكون الشرارة للثورة الرقمية التي نعيشها اليوم بعد اكثر من نصف قرن). اخترع الرادار خلال الحرب وهو استخدام موجات الراديو للكشف عن الاجسام البعيدة وتم تطويرة اليوم ليصل الى آلاف الاميال ويستخدم في الطيران المدني التجاري. ايضاً ساهمت الحرب في تسريع عجلة الاختراعات الطبية في الدواء للحاجة لذلك, مثل تكنولوجيا نقل الدم وذلك لاسعاف الجنود في ساحات القتال, وطب الطيران الذي يسمح للإنسان للطيران لمسافات طويلة للحاجة للقيام بذلك في المعارك الجوية خلال الحرب. تم تطوير علم الكيمياء لتحقيق الاستغلال الافضل للنفط وتطوير صناعته التي باتت عصب الصناعة الحديثة, تم تطوير الصناعة النفطية للاستخدام العسكري مثل اختراع القانبل الحارقة وهو استخدام البنزين الهلامي في صنع المقذوفات, كما تم تطوير صناعة البلاستك خلال الحرب وذلك لافادة المجهود العسكري وذلك بخلق وسيلة اكثر فعالية لحفظ الطعام والشراب للجنود. ايضاً توسع علم التغذية وعمل العلماء في الولايات المتحدة على تطويره لمعرفة اي العناصر اكثر اهمية للجسم وماذا يحتاج الجسم البشري من المعادن والفيتامينات للقيام بالانشطة البدنية, وذلك لرفع كفاءة الجنود في ساحات القتال. وبطبيعة الحال تم اختراع اخطر سلاح في تاريخ الانسانية متمثل بالقنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية. ايضاً تلك الحرب رفعت من كفاءة وسرعة الانتاج الاقتصادي وهذا تطلب مهارات جديدة في التدريب. احد الجنرلات الالمان كان مندهش من السرعة التي تمكنت بها امريكا من حشد شعبها وتدربيهم للحرب[2]. قال ستالين وهو احد اهم القادة الذين قادوا تلك الحرب " الحرب سوف تُربح بالانتاج الصناعي" [3]. التصنيع سبق الحرب باكثر من قرن في الثورة الصناعة الاولى في القرن الثامن عشر والتاسع عشر, ولكن الحرب العالمية الثانية اسهمت في المزيد من الاختراعات وفي تطوير وتثوير وسائل الانتاج اكثر مما كانت علية وادخلت البشرية في عصر صناعي جديد.  هذه الاختراعات لم تكن محصورة في المجال العسكري وان كانت قد اخترعت من اجل المجهود العسكري, ولكن بعد الحرب تم تطويرها في الاستخدمات المدنية. مثل استخدامات الطاقة النووية للاغراض السلمية في توليد الكهرباء. وايضاً العلوم الطبية استفادت من الحرب, وان كان هناك امور غير اخلاقية قام بها النازيون واليابانيون وذلك بجعل البشر مثل فئران التجارب, ومن ثم تم استخدام تلك المعارف للاغراض المدنية بعد الحرب. هنالك الكثير من الافلام الوثائقية التي تروي كيف كان يتم معاملة المعتقلين في معسكرات الاعتقال النازية واليابانية. الشاهد ان الحرب كانت نقطة تحول كبرى في التاريخ الانساني توجت بجميع الاختراعات والثورة التقنية التي نعيشها في عالم اليوم. نستطيع ان نستنتج بوضوح التأثيرات الهائلة التي خلقتها الحرب على المستوى السياسي,الصناعي وحتى الاجتماعي. على المجال الاجتماعي مثلاً, اسهمت الحرب في دخول النساء باعداد كبيرة الى مجال الانتاج الصناعي, حيث ذهب الرجال الى الحرب وتم تشغيل المصانع بالنساء. وهذا لاحقاً اسفر عن نيل النساء المزيد من حقوقهن بعد ان اصبحاً جزء من الانتاج الاقتصادي في المجتمعات الغربية. والحرب ايضاً عززت من توطيد عرى السلام بعد ان ادرك الجميع ويلات ومعاناة الحرب

بالعودة الى موضوع محو الامية: بينما كان الغرب ومعهم الاتحاد السوفيتي واليابان في حرب ضروس وثورة صناعية عسكرية كبرى لم تشهد لها البشرية من مثيل من قبل, كان العرب ومعهم شعوب اخرى غارقون في وحل الامية وبلا اي تأثير يذكر قط في مسار تطور الاحداث العالمية. نسب الامية العالية كانت سوف تكون مقبولة لو كان الحديث عن القرن العاشر او الحادي عشر ميلادي, حيث كانت نسب الامية متقاربة في جميع انحاء الكوكب. ولكن الفرق الشاسع والضخم في نسب الامية بين الغرب ومعظم  امم الشرق في القرون الاخيرة بالتأكيد كان له أثر جوهري لسطوة الغرب على الشرق والذي ادى الى استعمار الشرق من قبل الغرب, وحتى بعد نهاية الاستعمار لاتزال سطوة الغرب على الشرق قائمة الى هذه اللحظة. بينما كان الغرب يطور ويثور الصناعة في الحرب العالمية الثانية, كان 90% من سكان الشرق الاوسط اميين. نحن نتحدث عن الامية الابجدية والتي هي ادنى درجات الامية. تستطيع ان تستعمل مخيلتك للمقارنة بين التطور العلمي والصناعي في ذلك الوقت في الغرب والامية الساحقة في الشرق, وتستنتج عواقب ذلك


   ارتفاع نسبة التعليم في العالم بين 1820-2010  


من خلال الرسم البياني تستطيع ان ترى نسب الأمية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وذلك من خلال احتساب نسبة المتعلمين والتي بلغت في عام  1940 (بدايات الحرب العالمية الثانية) نسبة 10%, وهذا يعني ان 90% لايجيدون القراءة والكتابة. عندما تقارن نسب التعليم على المستوى العالمي, تجد ان العالم العربي قريب الى افقر دول العالم في نسب التعليم مثل دول الصحراء في افريقيا ( والتي هي الى اليوم تعد الافقر في العالم).  في الغرب كانت نسبة المتعلمين في نفس العام قد بلغت 100% اي عام 1940. ولو عدنا بالتاريخ الى الوراء قليلاً الى القرن التاسع عشر سوف نجد ان هذا التفاوت الهائل بين الشرق والغرب في نسب التعليم كان موجوداً ايضا. في العام 1870 كانت نسبة الامية في الغرب تبلغ تقريباً 20% بينما في الشرق النسبة تصل الى 97%. الى اليوم العالم العربي في مجمله لم يصل الى نسب محو الامية التي وصل اليها الغرب في القرن الثامن عشر

 نسب المتعلمين بالسن. نسب المتعلمين في الفئة السنية 65 واكبر و العمر بين 15-24


ايضاً هناك احصائيات اخرى حول مستويات التعليم للفئات العمرية في الدول العربية. في السعودية مثلاً فقط 26% من الذين تبلغ اعمارهم 65 او اكبرمتعلمين, في مصر 35%, في العراق 19%. قد تكون احد الاسباب التي تفسر ضعف الانتاج الثقافي في العالم العربي هو ان الامية تضرب السواد الاعظم من كبار السن. الانتاج الثقافي والعلمي هو عبارة عن حصيلة متراكمة من العلم والمعرفة يصل اليها الاشخاص في الجزء الاخير من حياتهم, ويكون هذا الوقت هو وقت الانتاج بعد قضاء ثلاث او اربعة عقود من حياته في البحث والعلم والمعرفة. في العالم العربي معظم من هم بسن الانتاج المعرفي والثقافي يعانون الامية وهذا يؤثر على الاجيال الجديدة ايضاً, لانها تفتقد الى المتخصصين الذين يستطيعون اثراء الحركة العلمية والثقافية بانتاجهم الفكري.في بعض الاحيان يصل الامر الى حد الشفقة من ضعف في طرح ومعالجة المشاكل السياسية والاجتماعية. أعتقد ان احد الاسباب التي ادت الى تسيد رجال الدين في السعودية والعالم العربي بدرجة اقل هو الفراغ العلمي الهائل والذي لم يجد احد ليملأه,ورجل الدين افضل حالاً من الامي لانه يجيد القراءة والكتابة وقد اطلع على بعض الكتب التراثية فهو حتماً لديه بعض المعرفة. هناك اليوم مايقرب من 96,836 مليون امي عربي من مجموع السكان الذي يبلغ 353,8 مليون نسمة. نسبة الامية بين النساء اعلى منها لدى النساء حيث تبلغ 60.60%, بينما تبلغ لدى الرجال 39.42%. نسب الامية من المتوقع ان ترتفع في العالم العربي في السنوات القادمة لان هناك مايقارب6,188 مليون طفل في سن التعليم لم يجدوا مقاعد دراسة[4]. قد يكون هذا بسبب قل الموارد الاقتصادية والحروب والنزعات الاهلية في داخل الدول العربية. نسب الامية المرتفعة تؤثر سلباً في الحالة الاقتصادية لدولة ما. يعتبر الانسان من الناحية الاقتصادية رأس مال بشري, التعليم الجيد من اهم الاسباب التي ترفع من الكفاءة الاقتصادية لرأس المال البشري في عالم بات فيه من المستحيل ان تنافس اقتصادياً الا ان تملك رأس مال بشري او ثروة طبيعية مثل النفط والغاز او غيرها من الثروات الطبيعية (والتي قد يُفسد الاميون ادراتها)


الحرب العالمية الثانية ونسب الامية على مستوى العالم قد يبدوا انه لايوجد رابط مباشر بينهما, ولكن حتماً هناك رابط غير مباشر بينهما. تستطيع ان تتخيل المنظر في اوربا وامريكا اثناء الحرب, عندما كان العلماء في المانيا وامريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي يتسابقون لصناعة السلاح الذري, كان 90%من العرب يعيشون حياة بسيطة للغاية اما رعاة او مزارعين بنمط وطريقة اسلوب حياة بدائية جداً. بل هذا ايضاً قد يفسر سبب نشوء دولة اسرائيل في الشرق الاوسط, حيث اتى اليهود الى الشرق مزودين بالعلوم والمعارف نتيجة احتكاكهم لقرون بالثقافة والحياة الغربية في وسط محيط امي, لذا اسرائيل اليوم هي الدولة الوحيدة الصناعية والديمقراطية في الشرق الاوسط. في الاساس عدم القدرة على مجاراة اسرائيل عسكرياً او صناعياً هو دليل تخلف وهزيمة حضارية للعالم العربي. لايمكن في عالم اليوم لشخص أمي ان يجاري شخصاً متعلماً, فالعلم اصبح قوة تراه في تحليق الطائرة من دون طيار او بطيار, تراه في قذيفة المدفع, تراه في الغواصه النووية, تراه في هاتفك الشخصي وغيرها من المنتجات التي لاحصر لها. الامر اشبه بطالبين اثنين في فصل الدراسة, احدهما يدرس ويجتهد والآخر غارق في سبات عميق, هل سوف يصلان الى نفس النتيجة؟ بالطبع لا. وهذا هو حال المجتمعات البشرية, من يتعب ويبحث ويطور من وضعه سوف يحرز نتائج جيدة, ومن يغرق في الافيونات الفكرية وعدم استخدام العلم والمنطق, النتيجة الحتمية سوف تكون "مكانك سر", وهذا مانراه

هل تساعدنا معرفة نسب الامية الضخمة في الحالة السعودية مثلاً في الماضي على فهم مشاكل وتعقيدات الحاضر؟ اعتقد ان الجواب نعم. تم محو الامية في السعودية في اربعة عقود وهذه فقط خطوة اولى في درب طويل(اموال النفط ساعدت في هذه القفزة), ولكن تراكمات قرون من الامية لا يمكن محوها بين يوم او ليلة بل هي تحتاج الى اجيال لتبني رصيد من التراكم المعرفي. احد الاسباب التي قد تفسر مايسمى بالصحوة الاسلامية هي ان الصحوة الاسلامية كانت نتيجة لمحو الامية. عندما تعلم الاميون القراءة والكتابة لم يجدوا سوى الكتب والمعارف المستمده من التراث واعتقدوا انها نهاية وقمة العلم. لم يجدوا بديل معرفي وعلمي غير الكتب التراثية ولذا احياء مابها كان ربما خيارهم الوحيد وهذا اوقعهم في فخ تاريخي جعلهم في وضع اسوء. بعد ان تعلم الاميون وارتفعت نسبة الطبقة الوسطى المتعلمة (وان كان تعليم بدائي مقتصر على القراءة والكتابة في اغلب الاحيان) حاولوا اسلمة كل شي ضناً منهم ان هذه الطريقة المثلى لمواكبة العصر, فذهبوا الى اسلمة السياسة,الاقتصاد, والعلوم. بطبيعة الحال هذه المحاولة لن تنجح بدون وجود مصدر خارجي يستطيع تمويل مشروع الاسلمة وتمثل هذا المصدر باموال النفط, بمعنى ان مشروع الاسلمة لايمكنه الصمود وبناء نفسه ذاتياً دون الحاجة الى وجود مصادر من خارجه. اليوم نشاهد ملامح نهاية مايسمى بالصحوة الاسلامية ومشروع الاسلمة لاسباب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة. الدين كمعتقد فردي انساني سيبقى, ولكن اخذ هذا الاعتقاد وتعميمه واداخله في السياسة والاقتصاد والحياة العامة سوف يصطدم بعواقب ضخمة وهذا مايحصل اليوم. هي تجربة انسانية ( اي الصحوة) شكلتها ظروف مادية تمثلت بتدفق ثروة من عامل خارجي لادخل للانسان بها  في محيط تسوده الامية ومايسمى الصحوة هي احد نتائج هذا التفاعل بين الامية والثروة. الفخ التاريخي الذي اوقعت الاسلمة العرب به هو تعطيلهم عن الاستفادة القصوى من الثروات الطبيعية التي ظهرت في الشرق. منحتهم الثروة شعور زائف بان عليهم نشر قيمهم ومبادئهم بدل التعلم من الغير, وبدلاً من تطوير انفسهم ومواكبة العصر الجديد ارادوا ان يعيدوا العالم 10 قرون الى الوراء ضناً منهم ان هذا هو الطريق السليم.  هل اختلف الحال كثيراً اليوم عما كان علية في ايام الحرب العالمية الثانية بين الشرق والغرب؟ لا اعتقد ذلك. الجواب ببساطة ان الشرق لازال يستورد العلوم والمعارف والبضائع والخدمات من الغرب ومن الشرق الاسيوي باموال النفط التي تأتية من بيع الطاقة للاقتصادات العالمية المنتجة. لم يختلف الحال كثيراً وهو امر متوقع لان بناء المجتمعات البشرية يستغرق اجيال  وهو حصيلة تراكمية من الخبرات والمعارف الانسانية, ولم يستفد العرب الاستفادة القصوى من الثروة التي منحتها اياهم الطبيعة ويطورون من انفسهم, فبُددت الثروة بسوء الاستخدام, والاشارات التي يبعثها المستقبل لاتبدوا سعيدة 










المصادر 

2 comments:

  1. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  2. جميل جميل! اتمنى الاستمرار بالكتابة )؛)

    ReplyDelete