Tuesday, October 4, 2016

ماهي العوامل التى تؤثر على قيمة المال (النقود الورقية)

 ماكتب بالاحمر هو شرح من المترجم

ترجمة بن عاتق 

النقود الورقية تمتلك خاصية القيمة السوقية. النقود الورقية يجب ان تمتلك تلك الخاصية لتكون وسيلة للتبادل (بين الناس). ولكن مالذي يحدد القيمة السوقية للنقود؟(بمعنى مالذي يجعل هذه العملة لها قيمة اعلى من عملة اخرى  او مالذي يجعل هذه العملة تساوي عدد معين من البضاعة مثلاً لماذا 1 كيلو من الجزر يساوي 3 ريال. مالذي اعطى الثلاث ريالات قيمة لتساوي واحد كيلو من الجزر). لماذا قيمة النقود تتقلب وتميل الى الانخفاض على المدى الطويل (ماكنت تشترية بريال قبل عشرة سنوات اصبحت قيمته اليوم 3 ريال لان قيمة الريال انخفضت). بالاضافة الى ذلك, قيمة النقود الورقية في بعض الاحيان تنخفض بشدة في فترة قصيرة من الزمن

في الاسبوع الماضي طرحنا السؤال التالي : "لماذا تملك النقود الورقية قيمة"؟ النقود الورقية هي لا شي, عبارة عن ورقة وعليها صورة. لماذا شي تقريباً بلا قيمة جوهرية او مادية قد يكون له قيمة؟

في هذا الاسبوع سوف  نطرح  ونجيب على سؤال اكثر صعوبة ولكنه ذي صله بالموضوع. مالذي يحدد قيمة النقود الورقية؟ من اجل القيام بهذا سوف نحدد طبيعة العقد الضمني الذي يحكم النقود الورقية

كما نوقش في ورقة الاسبوع الماضي " تطور المال : لماذا تمتلك النقود الورقية قيمة؟". وجهة نظرنا ان النقود الورقية هي اداة مالية تستمد قيمتها تعاقدياً. (بمعنى ان القيمة للورقة(النقود) التي بين يديك تستمد القيمة لها من كونها مثل العقد بين طرفين وهذا مايعطيها القيمة. فكر بالعقد هو مجرد ورقة لاقيمة لها ولكنه قد يلزمك بدفع مليون ريال اذا وقعت عليه والنقود كذلك هي عقد)

جميع الموجودات اما اصول حقيقية (قطعة ارض/ذهب/سيارة) او اداة مالية (نقود/اسهم/شيك). الاصول الحقيقية تستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية (بمعنى انك تستطيع ان تستنفع منها مثل الارض تبني عليها منزل), بينما الادوات المالية تستمد قيمتها من خصائصها التعاقدية

اول شكل من اشكال النقود استخدمتها المجتمعات البشرية كان استخدام السلعة كنقود (بمعنى اعطيك سلعة وتبادلني بسلعة مثلاَ قمح مقابل تمر). كان هذا المال يستمد قيمته من خصائصة الفيزيائية (بمعنى انك سوف تستفيد من التمر في الاكل عندما تحصل عليه في مقابل اعطاء الطرف الاخر قمح)

مع مرور الوقت تم إدخال العملة الورقية في التبادل. في الاصل, العملة الورقية ليست سوى عقد صريح يعطي حاملها الوعد انه سوف يحصل على بعض السلع. هذه الورقة التي تأخذ صفة تمثيلة تستمد قيمتها من خصائصها التعاقدية بانها سوف تعطي حاملها شي ملموس او محسوس ذو قيمة فيزيائية. (بمعنى انك لا تستطيع ان تاكل الورقة النقدية ولكن امتلاكك للورقة النقدية يظمن لك انك تستطيع ان تحصل على 10 حبات من التفاح لتأكلها وهذا يعطي الورقة النقدية قيمتها)

في مرحلة ما, اصبح العقد الصريح الذي يحكم النقود الورقية باطلاً ولاغياً (بمعنى ان الورقة النقدية التي كانت تعطى لحاملها الحق في امتلاك مثلا 10 حبات من التفاح اصبحت لاغية وباطله وحل محلها عملة جديدة بعقد ضمني بين المجتمع (الذي يصدر المال) وحامل النقود, بمعنى انك تستطيع استعمال هذه الورقة في اي تبادل تجاري وليس محصوره فقط على عشرة حبات من التفاح كما كان في حالة العقد الصريح في السابق)

من خلال استكشاف طبيعة هذا العقد الضمني ,يمكننا البدء في بناء صورة افضل في معرفة ماهي العوامل التي تؤثر على قيمة النقود. علاوة على ذلك نحن يمكننا التفكير من خلال هذا المنظور في معرفة السبب وراء انخفاض قيمة النقود مع مرور الوقت

بعبارات ابسط. من خلال وجهة نظرنا نرى ان انقود الورقية تمثل حق ادعاء نسبي في الانتاج المستقبلي للمجتمع. (بمعنى ان الريال الذي تملكه اليوم هو عبارة عن وثيقة او عقد يظمن لك من خلاله استعمالة في المستقبل لتحصل على جزء من انتاج المجتمع, بعبارة اسهل لماذا تحتفظ بالريال في رصيدك البنكي, انت تعلم انك تستطيع ان تستخدمه في المستقبل من خلال تعاقد ضمني مع المجتمع والا لن تقبل به اذا كنت تعلم انك لن تستطيع استعماله في المستقبل). خلال فترات طويلة من الزمن ,زيادة القاعدة النقدية (حجم الاموال) مقارنة بالانتاج سوف يقلل من قيمة النقود ويؤدي الى زيادة الاسعار. (بمعنى اليوم هناك 5 تفاحات يقابلها 5 ريال فتصبح قيمة كل تفاحه ريال واحد, عندما تزيد حجم النقود من خلال اصدار او طبع المزيد منها بينما يبقى الانتاج ثابت ولايتغير او يرتفع بنسبة اقل من نسبة طبع النقود يصبح هناك 5 تفاحات مثلاً مقابل 10 ريالات فتصبح قيمة التفاحة ريالان بدل من ريال واحد لان زيادة النقود تزيد من حجم الطلب وعندما يرتفع الطلب ترتفع الاسعار اذا كان الانتاج اقل من عرض النقود. مثال آخر يوضح كيف يحصل التضخم هناك سيارة واحدة فقط معروضة للبيع وقيمتها الفين ريال, احمد يملك 5 آلاف ريال ومحمد يملك 5 آلاف ريال وكلاً منهم يريد الحصول على هذه السيارة, مالك السيارة يعرف ان احمد ومحمد مستعدان لدفع اكثر من الفين ريال ,عندها قيمة السيارة سوف ترتفع بسبب ان حجم النقود اكبر من حجم السلع في السوق). لقد رأينا هذا النمط يتكرر في معظم الاقتصاديات الغربية في الخمسين سنة الماضية

على مدى فترات قصيرة من الزمن, التوقعات بشأن القاعدة المالية مقارنة بحجم الانتاج امر حاسم في تحديد قيمة النقود. اذا اصبح الناس اكثر تفاؤلاً حول نمو الانتاج في المستقبل فان قيمة النقود سوف ترتفع . على العكس تماماً, اذا اصبح الناس اقل تفاؤلاً بشأن الانتاج في المستقبل ويعتقدون ان هناك المزيد من النقود سوف تطبع بينما الانتاج لا يتغير حينها سوف تنخفض القيمة الشرائية للعملة وترتفع الاسعار

لماذا هذه الأصول لها قيمة؟ "

في حالة معظم الأصول، وهذا ليس سؤال صعب الإجابة. إذا اخترنا تقريبا أي أصل عشوائيا، وبعد ذلك يمكننا الإجابة على هذا السؤال من خلال تطبيق نموذج بسيط: كل الأصول إما اصول حقيقية (ارض, ذهب,ماشية)، و تستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية، أو أنها أداة مالية (نقد,اسهم)، و تستمد قيمتها من ميزاتها التعاقدية

على سبيل المثال، والأرض هي اصل حقيقي و تستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية: صاحبها يمكن أن يزرع المحاصيل بها  أو بناء مساكن عليها. في المقابل، سندات الشركات هي أحد الأصول المالية التي تستمد قيمتها من الخصائص التعاقدية: أنها تخول  حاملها  للحصول على عوائد مالية في المستقبل

يوفر هذا النموذج لنا وسيلة بسيطة للتفكير في الكيفية التي يستمد أي أصل قيمته. وعلاوة على ذلك، هذا نموذج بسيط يمكن تطبيقه بسهولة على نماذج مبكرة من المال، وهما عندا كنت تستخدم السلع كنقود ( قمح مقابل تمر)والمال التمثيلي (مثل العملات التي تستخدم تحت غطاء الذهب كالدولار سابقاً )

السلع عندما تستخدم كمال هي السلعة التي يتم استخدامها كوسيلة للتبادل. المثال الأكثر وضوحا هو الذهب. السلعة هي الثروة الحقيقية ,وتستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية (مثال على ذلك انا اعطيك خمس قطع ذهبية في مقابل ان تعطيني قطيع من الماشية و كلانا سوف يستفيد من هذه السلع في استخدام فيزيائي لها. انا سوف استخدم الماشية في الاكل وانت سوف تستخدم الذهب في صناعة حلي وجواهر على سبيل المثال)

 


المال التمثيلي هو النقود الورقية التي تعطيك حق الادعاء ضد الجهة المصدرة لتلك الورقة لكمية معينة من سلعة بناء على طلبها. في عبارة مختلفة قليلا، حيازة المال التمثيلي تجعل حاملها يحمل مايشبة العقد الصريح بوعود لتسليم كمية معينة من الأصول الحقيقية

المثال الأكثر وضوحا على المال التمثيلي هو النقود الورقية التي صدرت بموجب معيار الذهب. في حالة معيار الذهب، كانت كل ورقة نقدية صادرة عبارة عن وعد صريح من قبل مصدر تلك العملة لتسليم كمية معينة من الذهب عند الطلب  

من وجهة نظرنا حول نموذج "الاصول الحقيقية في مقابل الاصول المالية" الاموال التمثيلة عبارة عن ادوات مالية. المال التمثيلي هو أحد الأصول التي تستمد قيمتها من خصائصه التعاقدية الصريحة

المحصلة هو انه لدينا نموذج واحد بسيط يمكن استخدامه لشرح لماذا اي اصل يحمل قيمة. علاوة على ذلك هذا النموذج مفيدة لتطبيقه على الاشكال الاولية القديمة للمال سواء المال السلعي (عندما كانت تستخدم السلعة ك عملة) او على المال التمثيلي (الدولار المغطى بالذهب)

الان دعونا نسأل السؤال التالي: لماذا النقود الورقية تحمل قيمة؟

بالتأكيد فان افضل مكان للبدء عن اجابة هذا السؤال يكمن في استخدام نموذج "الاصول الحقيقية /الادوات المالية" . بعد كل شي, يبدوا ان هذا النموذج قادر على شرح لماذا معظم الاصول تحمل قيمة, بما فيها الاشكال البدائية من المال

على الرغم من بساطة ومنطقية هذا النموذج, معظم الاقتصاديين يتجاهلون هذا النموذج في تحليلهم للنقود الورقية. بدلاً من ذلك, يفضل الاقتصاديين على ان يتعاملوا  مع النقود الورقية على انها شي خاص وسحري:هم يعتبرون العملة الورقية عبارة عن اصل فريد من نوعه وغامض ويعتبرونه استثناء ولايمكن تطبيق النموذج البسيط عليه (الذي تم من خلاله شرح الاشكال السابقة للمال)

يكمن الاشكال في انه عندما يتجاهل الاقتصاديون هذا النموذج (في شرح لماذا العملة النقدية تملك قيمة) فانهم سوف يجبرون في المغامرة بالدخول الى منطقة فكرية  عشوائية وخطيرة. بعد كل هذا, اذا لم يستمد الاصل قيمته من خلال خصائصة الفيزيائية (كالذهب و قطعة الارض) او خصائصة التعاقدية (العملة النقدية), اذن كيف يحصل على قيمته؟

  

قطعاً قد اخترع الاقتصاديون حلول لهذه المعظلة وتبدوا الحلول منطقية ولكن فقط على المستوى السطحي, ولكن حلولهم سوف تنهار بمجرد خدش السطح. واحدة من أفضل الأمثلة على ذلك هو نظرية كينز الطلب على النقود كما تبنها في كتابه "النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال" . (كينز من اهم الاقتصادين في القرن العشرين ويعتبر من مؤسسين النظريات الاقتصادية لدولة الرفاه الحديثه)


إذا بحثت من خلال اللغة المنمقة التي يستخدمها كينز، أطروحته الأساسية هي أن الطلب على النقود يعتمد على فائدة النقود كوسيلة للتبادل والجاذبية النسبية للمال  كمخزن للقيمة (بمعنى ان النقود عبارة عن مخزن يخزن المجتمع من خلاله القيم كالسلع والخدمات (العمل) فيها وتتم مبادلة تلك السلع والخدمات من خلال تبادل المال هذه هي اطروحة كينز)



ظاهريا، طرح كينز يبدوا معقولاٌ . المال هو وسيلة مفيدة للتبادل، ونحن يمكننا استخدامه كمخزن للقيمة. لذلك، يمكن للمرء أن يميل إلى القول، كما يفعل كينز، أن السبب في كون ان المال له قيمة (و احد الاسباب  لوجود الطلب على النقود) لأن المال يقوم بهذه المهام (وسيلة للتبادل,مخزن للقيمة)



المشكلة مع هذه الحجة هي أنها تفشل في المقام الاول في التعرف لماذا  يمكن للمال أن يؤدي تلك الوظائف. السبب الوحيد  في كون المال أن يكون بمثابة وسيلة للتبادل لان للمال قيمة. وبالمثل، يكمن السبب في كون المال بمثابة مخزن للقيمة لأن المال له قيمة

 

لايمكنك بناء نظرية الطلب على النقود اعتماداً على الوظائف التي يقوم بها المال: المال يستطيع فقط ان يؤدي وظيفته لان هناك طلب عليه.اذا كنت تعتمد على وظائف المال لتولد طلب عليه (اي ان وظائف المال هي الآلية التي يستمد منها المال قيمته), انت قد خلقت حجة دائرية من المغالطات

 

لحسن الحظ, هنالك طريقة افضل لفهم كيف يستمد المال قيمته, وان كانت اكثر صعوبه وتمثل تحدياً فكرياً. بدلاً من محاولة خلق حلول تجعلنا نشعر بالراحة لفهم (حول كيف يستمد المال قيمته) ولكنها تنهار بمجرد ان نخدش السطح. (بمعنى ان التفسيرات البسيطة لفهم كيف يستمد المال قيمته كما يفعل كينز هي تجعلنا نشعر بالراحة الفكرية ولكنها شروحات زائفة ولاتفسر حقيقة الآلية التي تستمد منها النقود قيمتها). يمكننا محاولة تطبيق نموذجنا السابق (الاصول الحقيقية في مقابل الادوات المالية) لفهم كيف تستمد العملات الورقية قيمتها


من الواضح, ان العملات الورقية ليست اصول حقيقية, كما لاحظ الكثيرين, النقود الورقية في كثير من الاحيان لاشي سوى مجرد قطع ورقية عليها بعض الحبر. بالتالي, من الانصاف القول بأن النقود الورقية ليست اصول حقيقية ولاتستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية

 

هذا يتركنا مع خيار وحيد: النقود الورقية هي أداة مالية وتستمد قيمتها من الخصائص التعاقدية لها

 

السؤال الصعب, ذلك السؤال الذي فقط امضى عدد قليل جداً من الاقتصادين وقتاً للنظر به, هو ماهي طبيعة الاتفاق التعاقدي الذي يحكم العملات الورقية ؟ ومن الواضح أن شروط أي عقد اما معيارية أو مباشرة (إذا كانت كذلك، عندئذ التكهنات حول هذا الموضوع سوف تكون متطورة). ولكن هذا لا ينبغي أن يثنينا عن هذا الطريق: اذا كنا نستطيع اقتراح حل التعاقدي الذي قد يكون معقول، اذاً هذا أفضل بكثير من محاولة خلق نموذج بديل لشرح كيفية ان احد الأصول المحددة (النقود الورقية) تستمد قيمتها

 

التفكير في الأمر بهذه الطريقة. و لأول وهلة، ما هو أفضل نهج للالإجابة على السؤال التالي "كيف النقود الائتمانية تستمد قيمتها

هل ينبغي علينا

 

أ- محاولة ذلك النموذج المطبق بالفعل والذي رسخ في استخلاصة الكيفية التي تستمد منها الاصول قيمتهاو حتى وان كان هذا الطريق يطرح بعض التحديات الفكرية في شرح كيف يحصل اصل بعينه قيمته, او

 

ب- محاولة خلق نموذج جديد لشرح كيف يستمد اصل واحد قيمته (النقود الورقية) من جميع الاصول الموجودة بطريقة مستقلة تماماً عن بقية الاصول. (بمعنى معالمة النقود الورقية معاملة مستقلة عن اي اصل آخر وكأنها شي سحري لايمكن فهمه اذا ما قورن ببقية الموجودات من اصول أخرى)

 

من وجهة نظرنا انه يتوجب علينا بذل جهود متضافرة لشرح النقود الورقية من خلال النموذج الموجود. وبالتالي ذلك يتطلب منا الاستكشاف والتكهن على طبيعة الاتفاق الضمني الذي يحكم النقود الورقية ومن اين ستمتد النقود الورقية قيمتها



الاتفاق الضمني لحامل المال

قبل أن التكهن بشأن طبيعة الاتفاق التعاقدي الذي يحكم النقود الورقية، نحن بحاجة إلى النظر في بعض النقاط الهامة

في البداية, انه امر يساعدنا لنعطي ذلك الاتفاق الضمني مسمى. ولعدم وجود مصطلح افضل, وسوف نسمي الاتفاق التعاقدي الذي يحكم النقود الورقية "اتفاق أصحاب المال

ثانيا، علينا أن نكون حذرين مع تعرفينا الخاص لما هو "المال". لأغراض هذا التحليل، تم تعريف "المال" على أنه القاعدة النقدية فقط. وذلك لأسباب ينبغي أن تصبح واضحه في المناقشات التالية، القاعدة النقدية هي فريدة من نوعها كأداة مالية. معظم الأصول التي يصفها الاقتصاديون بالمال، وأبرزها الودائع المصرفية، يتم إنشاؤها بواسطة الترتيبات التعاقدية بين أطراف من القطاع الخاص مثل البنوك وأصحاب الودائع. في المقابل، لا يمكن للقاعدة النقدية ان تصدر الا فقط عن الحكومة (تتصرف نيابة عن المجتمع): القاعدة النقدية، "النقود الورقية" في أنقى معنى الكلمة، لا يمكن إنشاؤها من قبل الأفراد والمصارف أو الشركات

ثالثا، نحن بحاجة إلى الاعتراف بأن الاتفاق الذي يحكم النقود الورقية هو عقد ضمني، في الواقع، وليس عقد صريح. ماذا يعني ذلك ؟ ذلك يعني انه لا يوجد عقد صريح يمكن قرائته, او عقد شفهي يمكن الاستماع اليه. (بمعنى انه لايوجد عقد بيننا عندما نستخدم المال كوسيلة  للتبادل بل هو اتفاق ضمني بين افراد المجتمع ولذلك تستطيع ان تستخدم الريال في جدة كما تستطيع ان تسخدمه في الظهران لان جميع افرادالمجتمع يتفقون على جعل الريال عملة التبادل دون الحاجة لكتابة تعاقدات صريحه, بل نستطيع ان نعمم التجربه على مستوى المجتمع البشري ككل انت تستطيع ان تستخدم الدولار في امريكا او باكستان دون الحاجة لكتابة تعاقدات صريحة على ان التاجر في باكستان يجب يقبل بالدولار) . بدلاً من كتابة نص صريح( لجعل المال وسيلة تبادل), اتفاق أصحاب المال هو عقد تم انشاؤه من قبل الفهم المشترك او المتبادل, والتفاهم يكون ضمني من خلال سلوك الاطراف هذا العقد. (بمعنى ان هناك اتفاق ضمني بين افراد المجتمع على ان المال هو وسيلة التبادل, انت عندما تدخل المتجرلتشتري مواد غذائية هناك اتفاق ضمني بينك كمشتري وبين صاحب المتجر على ان العملة هي وسيلة تبادل حتى وان كنتما لاتدركان طبيعة هذا الاتفاق الضمني, لكن السلوك الصادر منكما كطرفين يعزز هذا الاتفاق الضمني)

الطبيعة الضمنية لاتفاق اصحاب المال يجعل من الصعب التكهن بالشروط المحددة لذلك الاتفاق, ولكن يمكننا ان نحاول وضع ورقة اجل معقولة, بالاعتماد على الافكار من طبيعة ادوات مالية أخرى
وبعد ذلك نفكر في الكيفية التي يمكن أن تؤثر هذه الشروط على تقييمنا للمال. لدرجة اننا يمكننا استخدام مستوى الاسعار ليوفر لنا بعض الادلة حول الكيفية  التي يتعدل من خلالها تقييم المال كستجابة لاحداث تاريخية مختلفة وتحولات في التوقعات المستقبلية (بمعنى ان تقييم المال او قيمة المال تختلف في حالة الحرب عنها في حالة السلام على سبيل المثال, مثلاً في حالات الحرب دائماً ماتنخفض قيمة العملة وترتفع الاسعار لان الناس متشائمون حول المستقبل ولا احد يريد ان يخسر سلعة او يقدم خدمة من اجل ورقة قد تنهار وتصبح بلا قيمة, شهدت لبنان والصومال حروب اهلية ادت الى انهيار عملاتها واصبحت بلا قيمة واستبدلت تلك المجتمعات عملتها بعملات تصدرها دول اجنبية (الدولار) لان الناس فقدت الثقة في عملتها المحلية), ثم يمكننا تحديد ما إذا كانت شروط اتفاق اصحاب المال، تبدو واقعية


لذا، دعونا نبدأ محاولة تشريح الشروط الضمنية  لاتفاق اصحاب المال

عملية إنشاء أي أداة مالية تبدأ مع تحديد الاطراف المقابلة للاتفاق. بالتالي السؤال الاول الذي نحتاج الى نسألة في علاقة اتفاق اصحاب المال هو من هم الاطراف المقابلة لهذا الاتفاق؟

بوضوح, احد الاطراف لهذا الاتفاق هو حامل المال, الناس الذي في حيازتهم المال . كما يوضح الرسم البياني ادناه. المال هو اصل لحامل المال. ومع ذلك, من اجل ان تكون الاداة المالية اصل لطرف واحد, يجب ان تكون دين للطرف الآخر. لذا من هو الطرف المقابل؟ من هو المصدر للعملة؟

 وجهة نظرنا هي التالي,من منظور اقتصادي, المجتمع نفسه هو الذي يصدر القاعدة النقدية. من منظور قانوني, الحكومة هي التي تصدر القاعدة النقدية. ومع ذلك, من المنظور الاقتصادي, الحكومة عبارة عن صدفه فارغه (من الصدف): هي لا شي سوى وسيلة قانونيه مخلوق من قبل المجتمع من اجل تحقيق النتائج الاقتصادية والاجتماعية التي يرغب بها المجتمع. اصول تلك الوسيلة (الحكومة), في الحقيقة, اصول تنتمي الينا جميعاً, الجسور, المطارات والدبابات التي تمتلكها الحكومة هي اصول مملوكة للمجتمع. فان التزامات تلك الوسيلة (الحكومة), على الاقل من منظور اقتصادي, هي ديون على المجتمع. (المقصد ان الحكومة عبارة عن كيان يقوم بانشائه المجتمع, وكل ماتملكه تلك الحكومة في الحقيقة هو ملك للمجتمع, وكل التزام او دين على تلك الحكومة هو دين على المجتمع, الامر لايتعلق بكيفية شكل تللك الحكومة هل هي ديمقراطية ام ديكتاتورية, ولكن مايسمى مجتمع او شعب يقوم بانشاء كيان قانوني يسمى الحكومة وهي التي تمثل قانوياً اصول او ديون ذلك المجتمع)

طريقة اسهل لتفكر حول هذا الموضوع في سياق الدين الحكومي. من منظور قانوني, الدين الحكومي هو التزام على الحكومة. ومع ذلك, من وجهة نظر اقتصادية, الدين الحكومي بجدارة اكثر يعتبر مسؤولية المجتمع. بالتحديد اكثر, الدين الحكومي عبارة عن مطالبة للانتاج المستقبلي للمجتمع (مثال توضيحي عندما يستدين والدك ليبني لك ولاخوتك منزل, الدائن في المستقبل لايهتم هل انت ام ابيك من استدان منه وانما مايهمه هو العوائد التي سوف ينتجها هذا المنزل والتي سوف يسترد منها القرض الذي اقرضه لوالدك. كذلك الدين الحكومي هو ادعاء للمطالبة بالانتاج المستقبلي للمجتمع, الحكومة تستدين لتبني مطار, عوائد ذلك المطار في المستقبل سوف تستخدم لسد ذلك الدين) 

ان لم تكن مقتنع بهذا, انه امر يستحق التفكير, لماذا يجذب الدين الحكومي الامريكي تصنيف ائتماني عالي. المستثمرون في الدين الحكومي الامريكي لا يشعرون بالأمان لانهم يعتقدون ان الدين مدعوم بالايمان الكامل والشرف لحكومة الولايات المتحدة. المستثمرون يعتقدون ان الدين الحكومي الامريكي يعتبر مخاطرة صغيرة او منخفضة لانها مدعومة بالآفاق المستقبلية للاقتصاد الأمريكي. الاقتصاد الامريكي من اكثر الاقتصادات تنوعاً واستقرار في العالم. (اذا اتى اليك شخصان, احدهما جامعي متعلم تعليم جيد, ذكي ويملك رؤية , والآخر غير متعلم, ولاتبدوا عليه الجدية وطلبا منك الاثنين ان تقرضهما. ايهما ستقرض؟ الاجابة بسيطة, سوف تقرض الجامعي المتعلم لان فرصتك في استرداد نقودك ومعها عوائد اكبر مع الجامعي, بينما اقراض الشخص الآخر مجازفة. هذا هو الفرق لماذا يقرض العالم امريكا, بينما يتردد ويضع شروط صعبه  لاقراض الدول الفقيرة, لان المخاطرة اكبر مع اقراض الدول الفقيرة). هو المجتمع, من خلال المعالجة السياسية, الذي اما ان تختار ان تفي بهذا الدين الحكومي, الدين الذي له قيمة فقط لانه في الحقيقة التزام ومسؤولية المجتمع من خلال الانتاج المستقبلي للمجتمع

النقطة هي ان كلاً من الدين الحكومي والقاعدة النقدية هي مسئوليات الحكومة بالاسم فقط, هم: من منظور اقتصادي, مسؤولية المجتمع نفسه

هذا يطرح السؤال البديهي التالي: ماذا  يمكن ان ينتج المجتمع ليقدم إلى الطرف المقابل من هذا الاتفاق؟ تذكر، كل أداة مالية تمثل نوعا من المقايضة: تستطيع أن تعطيني شيئا من المنفعة الاقتصادية اليوم، وأنا سوف أعطيك شيئا من منفعة اقتصادية غدا

لذلك مالذي يمكنه ان يقدمه مجتمعنا كمقابل للديون التي يخلقها؟ الجواب الناتج الاقتصادي في المستقبل

على مستوى عال، والطريقة الوحيدة التي يمكن لمجتمعنا دفع النفقات و اقامة المشاريع العامة هي عن طريق التضحية بالناتج الاقتصادي. يمكننا أن ندفع للمشاريع العامة من خلال الناتج الاقتصادي الحالي (رفع الضرائب اليوم)، أو يمكن أن ندفع لهذه المشاريع بالناتج الاقتصادي في المستقبل. ومع ذلك,
من أجل تمويل المشروعات مع الناتج الاقتصادي في المستقبل، نحن بحاجة إلى إيجاد وسيلة قانونية (الحكومة) التي يمكن أن تكون بمثابة مصدر للديون التي تمثل مطالبة على الانتاج في المستقبل (بمعنى ان الحكومة هي المرجع القانوني لمن يطلب ان يأخذ من الانتاج في المستقبل, مثلاً الصين تقرض الولايات المتحدة اليوم لتبني الولايات المتحدة الطرق, الحكومة الامريكية هي الممثل القانوني الذي سوف تعود اليه الصين في المستقبل لتطلبها حصة من الانتاج الامريكي المستقبلي لتسديد ديون الولايات المتحدة)


مرة أخرى، نحن بحاجة إلى التفكير في دور الحكومة (كيان قانوني) وعلاقته بالمجتمع (كيان غير قانوني). وجهة نظرنا هي ان احد الادوار التي تقوم بها الحكومة ككيان قانوني هي الاحتفاظ باصول المجتمع واصدار الديون نيابة عن المجتمع. (المجتمع لايمكن ان يحافظ على الاصول او يصدر الديون لانه كيان غير قانوني)

ومع ذلك، من أجل ان يتم السماح للحكومة لإصدار أية التزامات ذات معنى (لا سيما الدين الحكومي والمال)، يجب أن يؤذن للحكومة من قبل المجتمع لإصدار المطالبات ضد الناتج الاقتصادي المستقبلي للمجتمع. وتتضح هذه الآلية في الرسم البياني أدناه

كما نوقش، الدين الحكومي هو ادعاء غير مباشر على الإنتاج الاقتصادي في المستقبل (يمثل الدين الحكومي مطالبة للضرائب المستقبلية التي، بدورها، مطالبة في الناتج الاقتصادي في المستقبل)

في المقابل، المال (القاعدة النقدية) تمثل مطالبة مباشرة على الناتج الاقتصادي في المستقبل

بعبارة بسيطة جداً, اتفاق اصحاب المال يعد المستلم للمال في مقابل انتاجهم اليوم, هم سوف يكونون قادرين على استخدام المال الذي استلموه للمطالبة بحصة من الانتاج المستقلبي للمجتمع

على سبيل المثال، لنفترض أن مجتمعنا يريد بناء جسر جديد. بدلا من تمويل هذا الجسر عن طريق رفع الضرائب اليوم أو زيادة الضرائب غدا (إصدار السندات الحكومية)، يقرر المجتمع مجرد إصدار المزيد من المطالبات ضد انتاجه (المال). انت كمقاول بناء، تقبل هذا المال المطبوع حديثا، ليس بسبب خصائصه الفيزيائية ، ولكن لأنه يمثل دعوى ضد انتاج المجتمع في المستقبل

بصراحة، هذا المفهوم الأساسي هو واضح إلى حد ما. الحيلة هي فك الرموز الدقيقة لطبيعة الادعاء على الانتاج في المستقبل

المصدر

What Factors Influence the Value of Fiat Money? 

في المحصلة 

النقود الورقية تعكس النشاط الاقتصادي لمجتمع ما. اذا كان هذا المجتمع او الجهة البشرية التي تصدر تلك النقود قادرة اقتصادياً على الايفاء بمتطلبات تلك العملة, فحينها سوف يكون لتلك العملة قيمة. النقود الورقية هي عبارة فقط عن وسيلة حضارية في التبادل وتعكس ثقة المجتمع بها. اذا كنت انا لا اثق ان لتلك النقود قيمة فانها سوف تنهار لانني لن اقبل ان اعطي جزء من انتاجي الاقتصادي مقابل ورقة لا اعتقد ان لها قيمة. في فينيزويلا اليوم انهارات العملة واصبحت مناديل المراحيض اغلى قيمة من العملة نفسها لماذا؟ هل لان الورقة التي تطبع عليها فينيزويلا عملتها رخصية؟ بالتأكيد لا. ولكن ما حصل ان العملة الفينيزولية كانت تعتمد في قوتها على عائدات النفط والتي توفر لها الغطاء النقدي من الدولار (عملة العالم الاحتياطية) وعندما انهارات اسعار النفط قل تدفق العملة الصعبة وراحت الحكومة تطبع المزيد والمزيد من الورق (العملة) وهذا جعل الجميع يفقد الثقة في تلك الورقة التي تصدرها الحكومة الفينيزولية انها بلا غطاء دولاري, ولذلك انهارت قيمتها. العملة الورقية ليست سحراً عندما تعطيها لشخص ما فانه سوف يقوم باعطائك ماتريد. هي فقط الشكل الظاهري لاتفاق ضمني (سواء عرفوا به او لم يعرفوا) بين افراد مجتمع ما. هناك عوامل فنية اقتصادية وسياسية تحدد قيمة العملة الورقية, وفي الاساس قيمة العملة تحددها القيمة الانتاجة الاقتصادية لهذا البلد او ذاك. في حالة الريال السعودي ما الذي يجعل للريال قيمة؟ بمعنى لماذا انا كشخص سعودي سوف اقوم باستخدام هذه العملة؟ ماهي الدوافع الاقتصادية التي تجعلني مطمئن ان لهذه العملة قيمة؟ نتخيل السيناريو التالي. انا ذهبت الى السوق واشتريت منتجاً مستورداً بقيمة 200 ريال. التاجر حصل على 200 ريال واودعها في البنك, التاجر لاحقاً سوف يستخدم هذه ال 200 ريال في جلب بضاعة مستوردة جديدة, ماذا سوف يفعل؟ هو لن يدفع الى المورد الاجنبي بالريال السعودي, بل بعملة العالم الاحتياطية وهي الدولار. ماذا سوف يفعل التاجر؟ سوف يذهب الى تلك الجهه التي اصدرت ال 200 ريال وهي الحكومة في هذه الحال ليبادل هذه ال 200 ريال بالدولار, الحكومة ملتزمة التزام قانوني ان سعر 200 ريال يساوي 53.3 دولار اذا تم تحويل العملة. الحكومة سوف تقوم بمبادلة هذه ال 200 ريال بالدولار والتاجر سوف يستخدم الاموال المحولة لشراء بضاعة جديدة. انا كمشتري في البداية وثقة بالحكومة واستخدمت الورقة التي تطبعها كمال, التاجر وثق ايضاً في الحكومة انه عندما يريد تحويل اموالة الى عملة اخرى فان الحكومة تستطيع ان توفر العملة الصعبة لتبادل عملتها بها ( وان كان هذا يحدث في سوق العملات ولكن الذي يجعل الجميع يثقون بالريال هو ثقتهم بالحكومة ان لديها احتياطات من النقد الاجنبي تستطيع الالتزام بها اذا دعت الحاجة لتدخل الحكومة في السوق للمحافظة على قيمة عملتها). الحكومة تملك النقد الاجنبي لان لديها نفط وهو مايجعل انتاجها الاقتصادي ذو قيمة وهذا يساعدها على ابقاء عملتها قوية. خذ مصر مثالاً, اليوم الجنية يساوي تقريباً 12دولار او اكثر لماذا؟ لان الحكومة المصرية لاتملك نفط لتبيعة ويدخل عليها الدولار من ذلك, ولذلك هي تخفض من قيمة عملتها المحلية حتى لا تتبخر جميع الدولارات التي تمتلكها, فمثلاً لو كانت قيمة الجنية في مقابل الدولار 3 جنيهات لكل دولار, سوف لن تستطيع الحكومة المصرية الاتزام بهذا المعدل وهذا يجعل خزائنها خاوية ويتسبب في انهيار تام للعملة. سوف تجد ان معضلة مصر النقدية هو فقط عارض لمشكلة اعمق واكبر وهي مشكلة اقتصادية في الاساس وتتمثل في ضعف الانتاج الاقتصادي المصري وهو مايجعل قيمة عملتها ضعيف. انت عندما تمتلك الجنية المصري فانك لن تشتري به ايباد او آيفون او طائرة او سيارة 2016, ولكن لو كان لديك ين ياباني فانك تستطيع شراء سيارة تويوتا, واذا كان لديك دولار امريكي فانك تستطيع شراء طائرة بوينج, واذا كان لديك يورو تستطيع ان تشتري مرسيدس الالمانية او فيراري الايطالية. لو عدنا الى حالة الريال؟ حسناً ماالذي سوف تشترية لو ملكت الريال السعودي, لو كان النفط يباع بالريال لقلنا نفط, ولكن بما ان النفط يباع بالدولار فانت تستخدم الريال لتحوله الى دولار ومن ثم تستخدم الدولار في التجارة العالمية. الريال بلا نفط سوف يكون ضعيف القيمة تقريباً, لانه لا توجد دوافع اقتصادية تدفع احداً ما لان يتعامل به الا في مناسبات قليلة مثل السياحة الدينية وهذه جزء صغير ومحدود اذا ما قورنت بالقيمة الانتاجية الاسطورية للنفط, لان السعودية دولة غير مصنعة او منتجة للخدمات وهذا يجعل قيمة عملتها ضعيفة اذا ما خرج النفط من المعادلة.

 

 


    

1 comment:

  1. شكراً من القلب ❤️
    على هذه المعلومات القيمة .. بالتوفيق ��

    ReplyDelete