Tuesday, September 6, 2016

النفط كيف ربطنا ولا زال يربطنا بالعالم

بن عاتق
 9/6/2016
اضافة 2/15/2017
السعودي الذي لا يعرف كثيراً عن النفط و حجم التأثير الذي تركه على حياته هو مثل الشخص الذي يجهل ولا يعرف تاريخ ابيه. هذا الشخص الذي يجهل تاريخ ابيه يفتقد لمعرفة مصدر من المصادر التي صاغت شخصيته واعادة تشكيل هويته من شخص يقاسي حياة شاقة في قلب هذه الصحراء الى شخص ربما يكون من اكثر الاشخاص المترفين في العالم. جميع البشر يتأثرون بالبيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي نشأوا منها وبها, والحال كذلك مع النفط في قصة السعودية كونه عامل محوري في الحياة الحديثة على هذه الارض فهو اي النفط اعاد تشكيل الحياة في الجزيرة العربية على تلك المستويات الثلاثة ولم يقتصر اثره على البعد الاقتصادي فقط. النفط هو من اكبر العوامل التي صاغت الدولة السعودية الثالثة, سواء ككيان مؤسسي (مثل انشاء الدولة المركزية) التي لم تثبت اركانها وتصبح قادرة على الوقوف على قدميها الا بعد ان بدأت تتدفق اليها اموال النفط وخصوصاً في فترة السبعينات وذلك حولها من حكومة فقيرة صغيرة الى حكومة اكبر واغنى تستطيع ان تقدم الخدمات الاساسية للسكان مثل الكهرباء,المياه, التعليم والرعاية الصحية.وكان للنفط تأثير سياسي في اعادة كتابة العقد الاجتماعي والسياسي في السعودية وخصوصاً بعد طفرة النفط في 1973 التي ولد منها الاقتصاد الريعي بحيث تكون ملكية مطلقة من جانب ومن جانب اخر تتعهد الدولة بتوفير حياة الرخاء للمواطنين. ايضا ساهم النفط في صناعة التوجة الاقتصادي لانسان الجزيرة العربية وحول البلاد من بلد يعيش معظم سكانها على انماط اقتصادية قديمة مثل الرعي, الصيد, الزراعة والتجارة على مستويات صغيرة الى اقتصاد حديث في شقة الاستهلاكي (وليس الانتاجي) يملك احتياطات ضخمة من العملة الصعبة التي جعلته قادراً على ان يستورد كل شي يحتاج اليه من المنتجات العصرية الحديثة. تاريخياً عرفت الجزيرة العربية خطوط التجارة منها واليها, ولكنها لم تصل في اي يوم من الايام على مدار التاريخ الى ذلك المستوى من حجم الاندماج في الاقتصاد العالمي كالذي وصلت اليه بعد اكتشاف الذهب الاسود في هذه الصحاري. سلعة النفط خصائص اقتصادية تمكنها من لعب دور الرابط للسعودية مع الاسواق العالمية. هذا المقال يحاول شرح كيف استطاع النفط من الناحية الاقتصادية ربط الجزيرة العربية بالعالم
  
اذا اردنا ان نفهم كيف ربطنا النفط بالحياة العصرية علينا ان نعرج على مبادئ اقتصادية اساسية تشرح كيف تعمل الاسواق الدولية والتي هي شرايين الاقتصاد الدولي. اقتصادياً, هنالك نوعان من البضائع والخدمات: هما
 tradable and nontradable 
بضائع وخدمات قابلة للتدوال والتجارة وبضائع وخدمات غير قابلة للتجارة. ماهي البضائع القابلة للتجارة وكيف يتم التعرف عليها؟ هي ببساطة تلك البضائع والخدمات التي تستطيع تصديرها الى الاسواق العالمية ومبادلتها هناك. مثال على ذلك, النفط, السيارات, الطائرات, بعض الاغذية والمشروبات مثل الرز والقهوة, الادوات الالكترونية مثل الحواسب واجهزة الاتصال, الملابس, الادوات الكهربائية , بعض المنتجات الزراعية والحيوانية. ببساطة انظر حولك الى اي منتج استهلاكي وان وجدت عليه صنع في الصين, اليابان,المانيا, امريكا, او اي دولة اخرى هذا يعني انها بضاعة قابلة للتدوال. الامر ليس مقتصر على المنتجات الصناعية بل حتى منتجات الغذاء مثل الخضار والفواكة تدخل في هذا مثل التفاح الامريكي او الزيتون الاسباني وهلم جر. البضائع الغير قابلة للتدوال هي تلك البضائع والخدمات  التي لايمكن تصديرها الى السوق العالمية ويتم استهلاكها فقط في السوق المحلي. أمثلة على البضائع والخدمات الغير قابلة للتدوال, عمل الحلاق, الطبيب,المعلم الذي يدرس في مدرسة الحي, الخدمات التي يقدمها جهاز الحكومة البيروقراطي,الخدمات التي يقدمها الميكانيكي الذي يصلح سيارتك, عامل النظافة, البقال,شقق الايجار,المصانع المحلية التي يستهلك انتاجها في الداخل مثل مصانع الورق والمناديل والبلاستك وغيرها. جميع هذه الخدمات والبضائع تستهلك في مكانها ولايمكن تصديرها ومبادلتها. انت لاتستطيع ان تصدر عمل الحلاق الى الخارج, نعم قد تستطيع ان تصدر اليد العاملة ولكن لاتستطيع تصدير العمل نفسه. انت لا تستطيع ان تصدر الفندق او شقة الايجار الى الخارج ولكن من الممكن ان تحولها الى خدمة قابلة للتدوال عن طريق جلب سياح من الخارج يدفعون لك بالعملة الصعبة. كثير من البضائع والخدمات كانت غير قابلة للتدوال قبل الثورة التنكولوجية في مجال النقل والحفظ والتخزين ولكنها اصبحت قابلة للتداول بعد تلك الثورات. اليوم تستطيع ان تأكل برتقال زرع في كاليفورنيا, قبل قرن من الزمان او حتى اقل كان هذا امراً مستحيلاً.  البضائع الغير قابلة للتدوال لاتجلب ثروة من الخارج والتي هي الوقود الاساسي في حركة التجارة العالمية. الدول والشركات  تدخل الى الاسواق الدولية ببضائع مرغوب بها قابلة للتدوال وعن طريق التبادل يحصل كل طرف على مايريد

اكبر اقتصادات في العالم هي تلك الاقتصادات التي لديها النوع الاول من البضائع وهي البضائع القابلة للتداول. انتاج هذا النوع من البضائع مفيد اقتصادياً من عدة جوانب فهو, سوف يخلق طلب على منتجات الدولة وهذا يساعدها على خلق وظائف, ايضاً هذا النوع من البضائع يوفر العملة الصعبة والذي يمكن الدولة من استيراد بضائع وخدمات اخرى قد لا تكون متوفرة في السوق المحلية. اما البضائع الغير قابلة للتدوال فهي بضائع تنتج وتستهلك محلياً وداخلياً ولايمكن الاستفادة منها في المبادلة في السوق الدولية.اذا نظرت الى اكبر اقتصادات العالم سوف تجدها جميعاً دون استثناء تملك عدد لا بأس به من البضائع القابلة للتدوال. مثلاً التوجة الى اقتصاد ينتج بضائع قابلة للتدوال حول امة مثل الصينية من امة تعاني الفقر حتى الستينات الى ثاني اكبر اقتصاد في العالم ومرشحة الى ان تكون اكبر اقتصاد في العالم في العقد القادم. الصين تحولت الى ورشة ومصنع العالم وهذا بسبب تخصيص اقتصادها لانتاج بضائع تستهلك محليا وخارجياً وتعتمد على تصدير كل شي من الممكن ان يستهلك في خارج الحدود. ليس الامر مقتصر على الصين بل حتى الهند ها هي تنمو اقتصادياً, حيث استطاعت ان تجد لها منفذ الى الاسواق العالمية. لو كان الاقتصاد الصيني والهندي ينتج ويستهلك فقط داخلياً لما استطاع ان يكبر وينمو ويتوسع الا اذا كان يملك كافة الموارد من نفط وكل ماتحتاجه الصناعة من مواد اولية وهذا امر في غاية الصعوبة ان تكتفي ذاتيا وتنعزل عن العالم. هذه الامم كانت فقيرة لقرون عندما كانت اقتصاداتها محلية محصورة في التبادل المحلي واقتصاداتها كانت في الغالب زراعية بسيطة.العولمة وتصغير حجم الكوكب فتح الباب امام التجارة الدولية وهذا ما افاد امم كثيرة في ان تخرج الى السوق الدولية وتطور من اقتصاداتها وتندمج اكثر في الاقتصاد الدولي. على النقيض انظر الى اي امة او بلد فقير, سوف تجد ان هذا البلد لا يملك من البضائع او الخدمات او حتى الموارد الطبيعية ما يجعله قادراً على دخول السوق الدولية والمتاجرة هناك وجلب العملة الصعبة لينتعش اقتصاده ويرفع من مستوى معيشة السكان. ماذا تصدر دولة مثل افغانستان, الصومال, اليمن, الاردن, مصر والمغرب على سبيل المثال؟ هذه الدول لا تملك صناعة او موارد طبيعية بكميات تجعلها تدخل السوق العالمية وتنافس الاقتصادات المتطورة في الشرق والغرب. بطبيعة الحال, التصدير وحده لا يجعل تلك الامة غنية او فقيرة ولكن هي منظومة سياسية واقتصادية متكاملة تجعل من ذلك البلد في اوضاع اقتصادية جيدة او سيئة. بعض دول افريقيا تملك من الموارد الطبيعية ما يكفي لتجعلها امم غنية ولكن سوء توزيع الثروة ادى بتلك الامم الى ان تكون فقيرة وتدخل في صراعات اهلية تستنزف ثرواتها.

لحسن حظ السعودية انها تمتلك في باطن ارضها بضاعة من اكبر البضائع القابلة للتدوال في السوق العالمية وهي النفط. السعودية تمتلك وفق بعض التقديرات ربع احتياطي العالم من النفط.  عصب الصناعة الحديثة في القرن العشرين كان النفط, وقد تم بناء الصناعة الحديثة حول النفط كطاقة تعمل بكفاءة وفعالية عالية. وايضاً من حسن حظ السعودية مرة اخرى ان الطلب على النفط كان في تصاعد في القرن العشرين وخصوصاً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية
  
رسم بياني يوضح ارتفاع استهلاك النفط منذ عام 1965 حتى عام 2011 في الدولة النامية

النفط خلق للسعودية مكان في السوق العالمية وربطها بالاقتصاد العالمي وهو العامل الوحيد الذي يمكنه فعل ذلك. وفقاً لموقع او اي سي في عام 2014 قدرت صادرات المملكة بحوالي 306 مليار دولار وواردتها بحوالي 146 مليار دولار. شكل النفط الخام الحصة الاكبر من الصادرات بحوالي 232 مليار دولار في ذلك العام, النفط المكرر 19.8 مليار دولار والبقية اتت من المشتقات البتروكميائية وهي حصص ضئيلة مقارنة بالنفط الخام. هذه هي بضاعة السعودية الوحيدة القابلة للتدوال في السوق العالمية وهي السبب في كون السعودية تحتل الترتيب 15 من حيث اكبر اقتصادات العالم المصدرة. واردات السعودية تمثل السيارات فيها حوالي نسبة 10% والنفط المكرر حوالي نسبة 7% وسيارت النقل وغيرها مما نستهلكه من المستوردات. المقارنة مع دولة اخرى قد تعطي صورة اوضح حول هذا الامر. لنأخذ على سبيل المثال المانيا, في عام 2014, قدرت قيمة الصادات الالمانية بحوالي 1.41 تلريون دولار وقيمة الواردات بحوالي 1.13 تلريون دولار. اكبر صادرات المانيا الى السوق العالمية كانت السيارات بقيمة 163 مليار دولار,قطع السيارات بحوالي 62 مليار دولار, الادوية بحوال 52 مليار دولار. واردات المانيا يحتل النفط الخام اكبر حصه منها بحوالي 53.3 مليار دولار والنفط المكرر بحوالي 31.1 مليار دولار. نلاحظ ان هنالك تنوع في الاقتصاد الالماني في انتاج البضائع القابلة للتدوال مثل السيارت وقطعها والادوية وهذا مايعزز حصة المانيا في السوق العالمية, بينما ينحصر الاقتصاد السعودي في بضاعة وحيدة وهي النفط. استطيع ان اقوم بعمل مقارانات مع دول اخرى كما حصل مع المانيا ولكن سوف نصل الى نفس النتيجة وهي اقتصاد متنوع في مقابل اقتصاد يعتمد على سلعة واحدة
هذه اللمحة السريعة والموجزة عن دور النفط في الاقتصاد السعودي من المفترض ان تحثنا على طرح اسئلة تتعدى المجال الاقتصادي وتذهب الى السياسة والثقافة. احد اشكالات النفط والتي قد تعيق التطور ان الدور البشري في انتاجة محدودة فهو يوجد كما يقول البعض من خلال الصدفة الطبيعية وهذا قد يعيق من تطور القوى العاملة في بلد يعتمد اعتماد كلي على النفط. لو عدنا الى مثال المانيا, صناعة السايارت والدواء تحتاج بل تعتمد اساساً على العقل واليد البشرية في انتاجها وهذا يساعد على صقل وتطوير القوى العاملة ونحن نرى بوضوع لا تخطئه العين كيف تطورت الصناعة بشكل صاروخي في القرن العشرين "فقط انظر الى المنتجات قبل 10 سنةات وكيف هي الان". في السعودية ليس متاح ان تتطور القوى العاملة او لاتوجد الحاجة الاقتصادية لتطويرها طالما ان النفط يقوم بالمهمه. امر آخر على علاقة بالموضوع: نلاحظ ايضاً ان اليد العاملة في السعودية هي عمالة خارجية وهي تنتج بضاعة غير قابلة للتدوال ايضاً. معظم اسهام العمالة الوافدة الى السعودية هو اسهام  لغرض الاستهلاك المحلي فقط. ماتقوم به العمالة هو اعادة تحويل الثروة من الداخل الى الخارج. ماذا ينتج السائق المنزلي,الخادمة,البقال او الحلاق؟ جميعها خدمات تستهلك في اللحظة واستهلاكها نابع من وجود النفط كبضاعة توفر لنا العملة الصعبة التي نستطيع ان ندفع بها للحصول على هذه الخدمات لنستهلكها. 

في الختام لا يمكن تخيل كيف هي حياتك اليوم بدون النفط وكيف ان هذه السلعة اعادة صياغتك على المستوى الفردي او المستوى الجماعي كشخص من الجزيرة العربية سواء كنت سعودياً, كويتياً, قطرياً او من الامارات . انت تملك النفط وهذا يجلب المرسيدس والايفون والبوينج. سوف اقوم بطرح مثال لتبسيط الصورة اكثر. مثلاً ماذا ينتج السعودي ليركب المرسيدس او يستخدم الايفون؟ مثلاً الالماني سوف يصنع المرسيدس ويرسلها للولايات المتحدة ويحصل على الدولار مقابل بيعها هناك وهذا سوف يعطيه المال لشراء الآيفون. الياباني سوف يرسل التويوتا او النسيان الى الولايات المتحدة ويحصل على الدولار ويشتري الايفون. الصيني سوف يرسل البضائع الصغيرة مثل المكنسة الكهربائية او الفرن الآلي الى المانيا ويحصل على اليوروهات (من عملة اليورو) ويشتري بتلك اليوروهات سيارة المرسيدس او الفولكس واجن او اي منتج الماني. استطيع ان اضرب امثلة لاحصر لها. للعودة الى ذلك السؤال والسعودي ماذا سوف ينتج ليحصل على المرسيدس او الايفون او التويوتا؟ انه النفط ولا غيره. نحن لا نحصل على تلك المنتجات من السوق الدولية الا بسبب اننا نملك النفط, لو لم نملك النفط لربما كان استخدام تلك التقنيات من الاحلام ( لاتصدق؟! انظر الى اي بلد حولك غير نفطي وقارنه ببلد نفطي اخر من حيث مستوى معيشة السكان)  . النفط وفر لنا العملة الصعبة التي مكنتنا من الدخول الى الاسواق الدولية وشراء ما نحتاج الية. تذكر عندما تركب سيارتك او تستخدم هاتفك فانك حصلت على هذه المزايا مقابل عدة براميل من النفط وليس بسبب الجهد الذي بذلته في العمل او بسبب مستوى الانتاجية الذي تملكه, ولو كان الامر يقاس بالجهد والانتاجية لما تمكنت انا من استخدام هذه التقنية في كتابة هذا الموضوع ولما تمكنت انت من قراءة هذا الموضوع لان الجهد والانتاج المبذول لا يكفي لصناعة شي ثمين يمكن مبادلته للحصول على هذه التقنية. ميزة سلعة النفط الاقتصادية هي السر في اعطائنا القدرة على جلب ما نريد. لو كان الامر يخضع للانتاجية لوجدنا دولاً فقيرة في مستوى افضل حيث يعمل السكان هناك لساعات عمل طويلة مقابل دولار او اقل في اليوم. هو النفط

المصادر

No comments:

Post a Comment