Tuesday, October 11, 2016

قرون من الأمية واثارها المدمرة

بن عاتق
10-11-2016

كنت و لا ازال شغوفاً بالتاريخ, فمعرفة الماضي تساعدنا على فهم الحاضر والتنبوء الى هذا الحد او ذاك بالمستقبل. الحرب العالمية الثانية من اكثر المواضيع التي احب التعلم عنها. شاهدت الكثير من الوثائقيات وقرأت العديد من الكتب عنها. تلك الحرب هي التي شكلت عالمنا الذي نعيش به اليوم, فهي اي الحرب كانت عبارة عن نهاية حقبة الاستعمار والدول التي كانت ترعاه و التي امتدت من القرن الثامن عشر حتى دخول الجيش الاحمر الى برلين وسقوط القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي واعلان اليابان والمانيا الاستسلام  في عام 1945. انتهت تلك الحرب بصعود عملاقين جديدين الى المسرح العالمي (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) , وسقوط الدول الامبريالية القديمة في غرب اوربا لتصبح مجرد دول من الدرجة الثانية مدمرة تتوسل المعونه بعد حربين طاحنة في اقل من 30 عام دمرت الشجر والحجر والبشر. تم تقسيم المانيا بين ستالين والغرب, اصبحت بريطانيا مجرد دولة تابعة للولايات المتحدة وكانت فرنسا دولة ممزقة من الداخل تنشط بها الحركات اليسارية من جانب وتحتفظ بعلاقة لابأس بها مع الولايات المتحدة. في الشرق تم تركيع اليابان التي كانت تحتل معظم ارجاء شرق اسيا (كوريا الموحدة قبل التقسيم,اجزاء من البر الصيني, اندونيسيا, الفلبين, ومنشوريا في اسيا الوسطى بين الاتحاد السوفيتي والصين), وتم تصفية جميع المستعمرات اليابانية وتقاسم تلك الغنائم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. في العالم العربي اعلنت العديد من الدول الاستقلال بُعيد نهاية الحرب الثانية مثل السودان 1955, ليبيا 1947,المغرب 1956,الجزائر 1960, موريتانيا 1960, وتم جلاء القوات الفرنسية عن سوريا في عام 1946 والبريطانية عن مصر في عام 1954. تستطيع ان ترى بوضوح ان العقد او العقدين اللتان تلت الحرب العالمية الثانية شهدت فترة تحولات ضخمة على الصعيد العالمي في مجال السياسة. دائماً ماكان يخطر ببالي وانا اشاهد او اتعلم عن الحرب العالمية الثانية السؤال التالي: ماهو الاسهام العربي في تلك الحرب او ماهو التأثير الذي خلقة العرب في في ذالك التحول الانساني الضخم والهائل؟ الجواب بالتأكيد لا شيئ جوهري وكبير. عندما اندلعت الحرب العالمية سواء الاولى او الثانية لم يكن وجود للدولة العربية بالمفهوم التقليدي للدولة الوطنية, وكان العرب لايزالون متخلفين عن زمانهم (ولم يتحسن الوضع كثيراً حتى الان) قرنين او ثلاثة قرون الى الوراء (ليس فقط العرب بل معظم دول الشرق الاوسط بما فيها ايران وتركيا). وجدت سبباً يمكن ان يكون احد الاسباب التي جعلت العرب لايساهمون في صناعة التحولات الدولية الكبرى في القرن العشرين مثل الحرب العالمية الثانية ويتمثل السبب في نسب الأمية العالية والمهولة جداً  في العالم العربي , وهي امية متوارثة صنعت تأثيراتها السلبية  السياسية, العسكرية, الاجتماعية والاقتصادية على الانسان في هذا المكان من العالم

يعرف قاموس اوكسفورد الأمية على انها "افتقار المعرفة في موضوع محدد; الجهل" ويعرفها بشكل آخر "نظام التعليم الغير فعال يعني ان الأمية كانت منتشرة"[1]. المفهوم الشائع عن الأمية هو عدم الألمام بالقراءة والكتابة, ولكنها في الواقع هي اي الأمية اشمل من حصرها في هذا الاطار الضيق. عدم الالمام بالقراءة والكاتبة يصنف على انه الأمية الابجدية. هناك انواع متعددة من الأمية, مثل الأمية الثقافية, الامية الوظيفية, الأمية العلمية والأمية الاقتصادية, وغيرها من الانواع والتي قد تصل تصنيفاتها الى 20 نوع من الأمية.على سبيل المثال, هناك امية علمية وهي الجهل بالعلوم وطرق الاستنباط التي تستخدم المنطق والدليل العلمي المثبت, او امية ثقافية بحيث ان الامي لايمتلك اي مخزون معرفي او ثقافي وجل مايعرفه هو الثقافة والبيئة التي ولد وترعرع بها وقس على ذلك. احصائات الامية دائماً ماتذهب فقط الى حصر عدد الذين لايجيدون القراءة والكتابة, واحصائات محو الامية تستخدم القياس نفسة فهي تحصي عدد الذين تعلموا القراءة والكتابة. لاشك من الممكن بناء وجهات نظر استناداً على تلك الاحصائيات وان كانت فقط تختزل الامية في عدم القراءة والكتابة ولاتحصي الانواع الاخرى. الامية الابجدية قد تعني بالضرورة وجود الانواع الاخرى من الامية غالباً, فالذي لايجيد القراءة والكتابة لن يعرف عن العلم والثقافة شيئاً, اميته الابجدية عنت وجود تلك الانواع الاخرى من الامية ولا يمكن ان تتوقع منه ان يقوم بالتحليل والاستنباط العلمي, او يستطيع استيعاب الثقافات المختلفة عن ثقافته الام. الأمية تترك آثار مدمرة على الفرد والمجتمع. نشرت منظمة اليونيسكو بحثاً للآثار الاجتماعية والاقتصادية للامية جاء فيه" البحوث الحديثة في مجال علم النفس,التغذية وعلم الاعصاب تشير الى ان الخمس الاعوام الاولى هي حاسمة لتنمية الذكاء,الشخصية والسلوك الاجتماعي. في هذه الفترة من العمر ملايين الخلايا تولد,تنمو وتصبح مترابطة. عندما  لاتمنو عملية النمو,التطور والربط بشكل كافي, تطور الطفل يتأثر بشكل سلبي (اليونيسكو 2004)". ومن نفس البحث ايضاً "الاطفال الذين يولدون من اب وام يعانون الامية على الارجح ليس لديهم فرصة لتعلم الكثير مثل رموز الاتصالات والقراءة والكتابة". هذه الاثار هي فقط على المستوى الاصغر الجزئي في العائلة الصغيرة او على الفرد, فاذا كانت نسبة الامية ساحقة وكبيرة في مجتمع ما فانها تصبح خصائص لهذا المجتمع وتنتقل من المستوى الجزئي الصغير الى المستوى الكلي الاكبر, وهذا قد يكون احد اسباب الامراض الاجتماعية والاقتصادية لمجتمع ما. تاريخياً, كانت الامية الابجدية منتشرة بين البشر وكانت القراءة والكتابة والمعرفة بشكل عام محصورة في طبقات صغيرة وقليلة من البشر و السواد الاعظم من البشر يعانون الامية, وهذا لاسباب تاريخية واقتصادية وفنية صاحبت المسار التطوري للبشر. عرفت البشرية العلوم وطورتها منذ آلاف السنين ولكن اهمية العلم بدأت تتزايد في القرون الاخيرة وخصوصاً مع عصر التنوير الاوربي والثورة الصناعية واستخدام العلم في تطوير الانتاج الاقتصادي. بات حتماً ان القضاء حتى على الامية الابجدية ليس بكافي وان البشرية شقت طريقاً جديدة في المسار التطوري للبشر وذلك من خلال استخدام العلم لتطويع الطبيعة واستغلالها في الانتاج الاقتصادي, وتطوير العلوم الانسانية لبناء مجتمعات انسانية جديدة ومختلفة عن سابقاتها

بالعودة الى الحرب العالمية الثانية وفهم كيف كان المشهد الدولي في ذلك الوقت. الحرب كانت نقطة تحول انساني جديدة وهي عبارة عن ثورة صناعية ومعرفية ليست مقتصرة على الجيوش او المجال العسكري فحسب بل شملت جميع مناحي الحياة. بوادر الاختراعات الجديدة ظهرت مبكراً في الحرب العالمية الاولى مثل اختراع الدبابة, السلاح الكيماوي واستخدام وتطوير الهاتف, ولكن الحرب العالمية ثورت الصناعة والمعرفة وزادت من كفاءتها وفاعليتها بشكل كامل.على سبيل المثال,  طورت المانيا النازية صناعة الصواريخ خلال الحرب العالمية الثانية واخترعت الصواريخ البالستية وهذه المعرفة استخدمت لاحقاً لصناعة الصواريخ الخاصة برحلات الفضاء. كما طورت بريطانيا اجهزت الحاسوب والذكاء الرقمي لفك رموز الشفرات النازية, (والتي قد تكون الشرارة للثورة الرقمية التي نعيشها اليوم بعد اكثر من نصف قرن). اخترع الرادار خلال الحرب وهو استخدام موجات الراديو للكشف عن الاجسام البعيدة وتم تطويرة اليوم ليصل الى آلاف الاميال ويستخدم في الطيران المدني التجاري. ايضاً ساهمت الحرب في تسريع عجلة الاختراعات الطبية في الدواء للحاجة لذلك, مثل تكنولوجيا نقل الدم وذلك لاسعاف الجنود في ساحات القتال, وطب الطيران الذي يسمح للإنسان للطيران لمسافات طويلة للحاجة للقيام بذلك في المعارك الجوية خلال الحرب. تم تطوير علم الكيمياء لتحقيق الاستغلال الافضل للنفط وتطوير صناعته التي باتت عصب الصناعة الحديثة, تم تطوير الصناعة النفطية للاستخدام العسكري مثل اختراع القانبل الحارقة وهو استخدام البنزين الهلامي في صنع المقذوفات, كما تم تطوير صناعة البلاستك خلال الحرب وذلك لافادة المجهود العسكري وذلك بخلق وسيلة اكثر فعالية لحفظ الطعام والشراب للجنود. ايضاً توسع علم التغذية وعمل العلماء في الولايات المتحدة على تطويره لمعرفة اي العناصر اكثر اهمية للجسم وماذا يحتاج الجسم البشري من المعادن والفيتامينات للقيام بالانشطة البدنية, وذلك لرفع كفاءة الجنود في ساحات القتال. وبطبيعة الحال تم اختراع اخطر سلاح في تاريخ الانسانية متمثل بالقنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية. ايضاً تلك الحرب رفعت من كفاءة وسرعة الانتاج الاقتصادي وهذا تطلب مهارات جديدة في التدريب. احد الجنرلات الالمان كان مندهش من السرعة التي تمكنت بها امريكا من حشد شعبها وتدربيهم للحرب[2]. قال ستالين وهو احد اهم القادة الذين قادوا تلك الحرب " الحرب سوف تُربح بالانتاج الصناعي" [3]. التصنيع سبق الحرب باكثر من قرن في الثورة الصناعة الاولى في القرن الثامن عشر والتاسع عشر, ولكن الحرب العالمية الثانية اسهمت في المزيد من الاختراعات وفي تطوير وتثوير وسائل الانتاج اكثر مما كانت علية وادخلت البشرية في عصر صناعي جديد.  هذه الاختراعات لم تكن محصورة في المجال العسكري وان كانت قد اخترعت من اجل المجهود العسكري, ولكن بعد الحرب تم تطويرها في الاستخدمات المدنية. مثل استخدامات الطاقة النووية للاغراض السلمية في توليد الكهرباء. وايضاً العلوم الطبية استفادت من الحرب, وان كان هناك امور غير اخلاقية قام بها النازيون واليابانيون وذلك بجعل البشر مثل فئران التجارب, ومن ثم تم استخدام تلك المعارف للاغراض المدنية بعد الحرب. هنالك الكثير من الافلام الوثائقية التي تروي كيف كان يتم معاملة المعتقلين في معسكرات الاعتقال النازية واليابانية. الشاهد ان الحرب كانت نقطة تحول كبرى في التاريخ الانساني توجت بجميع الاختراعات والثورة التقنية التي نعيشها في عالم اليوم. نستطيع ان نستنتج بوضوح التأثيرات الهائلة التي خلقتها الحرب على المستوى السياسي,الصناعي وحتى الاجتماعي. على المجال الاجتماعي مثلاً, اسهمت الحرب في دخول النساء باعداد كبيرة الى مجال الانتاج الصناعي, حيث ذهب الرجال الى الحرب وتم تشغيل المصانع بالنساء. وهذا لاحقاً اسفر عن نيل النساء المزيد من حقوقهن بعد ان اصبحاً جزء من الانتاج الاقتصادي في المجتمعات الغربية. والحرب ايضاً عززت من توطيد عرى السلام بعد ان ادرك الجميع ويلات ومعاناة الحرب

بالعودة الى موضوع محو الامية: بينما كان الغرب ومعهم الاتحاد السوفيتي واليابان في حرب ضروس وثورة صناعية عسكرية كبرى لم تشهد لها البشرية من مثيل من قبل, كان العرب ومعهم شعوب اخرى غارقون في وحل الامية وبلا اي تأثير يذكر قط في مسار تطور الاحداث العالمية. نسب الامية العالية كانت سوف تكون مقبولة لو كان الحديث عن القرن العاشر او الحادي عشر ميلادي, حيث كانت نسب الامية متقاربة في جميع انحاء الكوكب. ولكن الفرق الشاسع والضخم في نسب الامية بين الغرب ومعظم  امم الشرق في القرون الاخيرة بالتأكيد كان له أثر جوهري لسطوة الغرب على الشرق والذي ادى الى استعمار الشرق من قبل الغرب, وحتى بعد نهاية الاستعمار لاتزال سطوة الغرب على الشرق قائمة الى هذه اللحظة. بينما كان الغرب يطور ويثور الصناعة في الحرب العالمية الثانية, كان 90% من سكان الشرق الاوسط اميين. نحن نتحدث عن الامية الابجدية والتي هي ادنى درجات الامية. تستطيع ان تستعمل مخيلتك للمقارنة بين التطور العلمي والصناعي في ذلك الوقت في الغرب والامية الساحقة في الشرق, وتستنتج عواقب ذلك


   ارتفاع نسبة التعليم في العالم بين 1820-2010  


من خلال الرسم البياني تستطيع ان ترى نسب الأمية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وذلك من خلال احتساب نسبة المتعلمين والتي بلغت في عام  1940 (بدايات الحرب العالمية الثانية) نسبة 10%, وهذا يعني ان 90% لايجيدون القراءة والكتابة. عندما تقارن نسب التعليم على المستوى العالمي, تجد ان العالم العربي قريب الى افقر دول العالم في نسب التعليم مثل دول الصحراء في افريقيا ( والتي هي الى اليوم تعد الافقر في العالم).  في الغرب كانت نسبة المتعلمين في نفس العام قد بلغت 100% اي عام 1940. ولو عدنا بالتاريخ الى الوراء قليلاً الى القرن التاسع عشر سوف نجد ان هذا التفاوت الهائل بين الشرق والغرب في نسب التعليم كان موجوداً ايضا. في العام 1870 كانت نسبة الامية في الغرب تبلغ تقريباً 20% بينما في الشرق النسبة تصل الى 97%. الى اليوم العالم العربي في مجمله لم يصل الى نسب محو الامية التي وصل اليها الغرب في القرن الثامن عشر

 نسب المتعلمين بالسن. نسب المتعلمين في الفئة السنية 65 واكبر و العمر بين 15-24


ايضاً هناك احصائيات اخرى حول مستويات التعليم للفئات العمرية في الدول العربية. في السعودية مثلاً فقط 26% من الذين تبلغ اعمارهم 65 او اكبرمتعلمين, في مصر 35%, في العراق 19%. قد تكون احد الاسباب التي تفسر ضعف الانتاج الثقافي في العالم العربي هو ان الامية تضرب السواد الاعظم من كبار السن. الانتاج الثقافي والعلمي هو عبارة عن حصيلة متراكمة من العلم والمعرفة يصل اليها الاشخاص في الجزء الاخير من حياتهم, ويكون هذا الوقت هو وقت الانتاج بعد قضاء ثلاث او اربعة عقود من حياته في البحث والعلم والمعرفة. في العالم العربي معظم من هم بسن الانتاج المعرفي والثقافي يعانون الامية وهذا يؤثر على الاجيال الجديدة ايضاً, لانها تفتقد الى المتخصصين الذين يستطيعون اثراء الحركة العلمية والثقافية بانتاجهم الفكري.في بعض الاحيان يصل الامر الى حد الشفقة من ضعف في طرح ومعالجة المشاكل السياسية والاجتماعية. أعتقد ان احد الاسباب التي ادت الى تسيد رجال الدين في السعودية والعالم العربي بدرجة اقل هو الفراغ العلمي الهائل والذي لم يجد احد ليملأه,ورجل الدين افضل حالاً من الامي لانه يجيد القراءة والكتابة وقد اطلع على بعض الكتب التراثية فهو حتماً لديه بعض المعرفة. هناك اليوم مايقرب من 96,836 مليون امي عربي من مجموع السكان الذي يبلغ 353,8 مليون نسمة. نسبة الامية بين النساء اعلى منها لدى النساء حيث تبلغ 60.60%, بينما تبلغ لدى الرجال 39.42%. نسب الامية من المتوقع ان ترتفع في العالم العربي في السنوات القادمة لان هناك مايقارب6,188 مليون طفل في سن التعليم لم يجدوا مقاعد دراسة[4]. قد يكون هذا بسبب قل الموارد الاقتصادية والحروب والنزعات الاهلية في داخل الدول العربية. نسب الامية المرتفعة تؤثر سلباً في الحالة الاقتصادية لدولة ما. يعتبر الانسان من الناحية الاقتصادية رأس مال بشري, التعليم الجيد من اهم الاسباب التي ترفع من الكفاءة الاقتصادية لرأس المال البشري في عالم بات فيه من المستحيل ان تنافس اقتصادياً الا ان تملك رأس مال بشري او ثروة طبيعية مثل النفط والغاز او غيرها من الثروات الطبيعية (والتي قد يُفسد الاميون ادراتها)


الحرب العالمية الثانية ونسب الامية على مستوى العالم قد يبدوا انه لايوجد رابط مباشر بينهما, ولكن حتماً هناك رابط غير مباشر بينهما. تستطيع ان تتخيل المنظر في اوربا وامريكا اثناء الحرب, عندما كان العلماء في المانيا وامريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي يتسابقون لصناعة السلاح الذري, كان 90%من العرب يعيشون حياة بسيطة للغاية اما رعاة او مزارعين بنمط وطريقة اسلوب حياة بدائية جداً. بل هذا ايضاً قد يفسر سبب نشوء دولة اسرائيل في الشرق الاوسط, حيث اتى اليهود الى الشرق مزودين بالعلوم والمعارف نتيجة احتكاكهم لقرون بالثقافة والحياة الغربية في وسط محيط امي, لذا اسرائيل اليوم هي الدولة الوحيدة الصناعية والديمقراطية في الشرق الاوسط. في الاساس عدم القدرة على مجاراة اسرائيل عسكرياً او صناعياً هو دليل تخلف وهزيمة حضارية للعالم العربي. لايمكن في عالم اليوم لشخص أمي ان يجاري شخصاً متعلماً, فالعلم اصبح قوة تراه في تحليق الطائرة من دون طيار او بطيار, تراه في قذيفة المدفع, تراه في الغواصه النووية, تراه في هاتفك الشخصي وغيرها من المنتجات التي لاحصر لها. الامر اشبه بطالبين اثنين في فصل الدراسة, احدهما يدرس ويجتهد والآخر غارق في سبات عميق, هل سوف يصلان الى نفس النتيجة؟ بالطبع لا. وهذا هو حال المجتمعات البشرية, من يتعب ويبحث ويطور من وضعه سوف يحرز نتائج جيدة, ومن يغرق في الافيونات الفكرية وعدم استخدام العلم والمنطق, النتيجة الحتمية سوف تكون "مكانك سر", وهذا مانراه

هل تساعدنا معرفة نسب الامية الضخمة في الحالة السعودية مثلاً في الماضي على فهم مشاكل وتعقيدات الحاضر؟ اعتقد ان الجواب نعم. تم محو الامية في السعودية في اربعة عقود وهذه فقط خطوة اولى في درب طويل(اموال النفط ساعدت في هذه القفزة), ولكن تراكمات قرون من الامية لا يمكن محوها بين يوم او ليلة بل هي تحتاج الى اجيال لتبني رصيد من التراكم المعرفي. احد الاسباب التي قد تفسر مايسمى بالصحوة الاسلامية هي ان الصحوة الاسلامية كانت نتيجة لمحو الامية. عندما تعلم الاميون القراءة والكتابة لم يجدوا سوى الكتب والمعارف المستمده من التراث واعتقدوا انها نهاية وقمة العلم. لم يجدوا بديل معرفي وعلمي غير الكتب التراثية ولذا احياء مابها كان ربما خيارهم الوحيد وهذا اوقعهم في فخ تاريخي جعلهم في وضع اسوء. بعد ان تعلم الاميون وارتفعت نسبة الطبقة الوسطى المتعلمة (وان كان تعليم بدائي مقتصر على القراءة والكتابة في اغلب الاحيان) حاولوا اسلمة كل شي ضناً منهم ان هذه الطريقة المثلى لمواكبة العصر, فذهبوا الى اسلمة السياسة,الاقتصاد, والعلوم. بطبيعة الحال هذه المحاولة لن تنجح بدون وجود مصدر خارجي يستطيع تمويل مشروع الاسلمة وتمثل هذا المصدر باموال النفط, بمعنى ان مشروع الاسلمة لايمكنه الصمود وبناء نفسه ذاتياً دون الحاجة الى وجود مصادر من خارجه. اليوم نشاهد ملامح نهاية مايسمى بالصحوة الاسلامية ومشروع الاسلمة لاسباب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة. الدين كمعتقد فردي انساني سيبقى, ولكن اخذ هذا الاعتقاد وتعميمه واداخله في السياسة والاقتصاد والحياة العامة سوف يصطدم بعواقب ضخمة وهذا مايحصل اليوم. هي تجربة انسانية ( اي الصحوة) شكلتها ظروف مادية تمثلت بتدفق ثروة من عامل خارجي لادخل للانسان بها  في محيط تسوده الامية ومايسمى الصحوة هي احد نتائج هذا التفاعل بين الامية والثروة. الفخ التاريخي الذي اوقعت الاسلمة العرب به هو تعطيلهم عن الاستفادة القصوى من الثروات الطبيعية التي ظهرت في الشرق. منحتهم الثروة شعور زائف بان عليهم نشر قيمهم ومبادئهم بدل التعلم من الغير, وبدلاً من تطوير انفسهم ومواكبة العصر الجديد ارادوا ان يعيدوا العالم 10 قرون الى الوراء ضناً منهم ان هذا هو الطريق السليم.  هل اختلف الحال كثيراً اليوم عما كان علية في ايام الحرب العالمية الثانية بين الشرق والغرب؟ لا اعتقد ذلك. الجواب ببساطة ان الشرق لازال يستورد العلوم والمعارف والبضائع والخدمات من الغرب ومن الشرق الاسيوي باموال النفط التي تأتية من بيع الطاقة للاقتصادات العالمية المنتجة. لم يختلف الحال كثيراً وهو امر متوقع لان بناء المجتمعات البشرية يستغرق اجيال  وهو حصيلة تراكمية من الخبرات والمعارف الانسانية, ولم يستفد العرب الاستفادة القصوى من الثروة التي منحتها اياهم الطبيعة ويطورون من انفسهم, فبُددت الثروة بسوء الاستخدام, والاشارات التي يبعثها المستقبل لاتبدوا سعيدة 










المصادر 

Tuesday, October 4, 2016

ماهي العوامل التى تؤثر على قيمة المال (النقود الورقية)

 ماكتب بالاحمر هو شرح من المترجم

ترجمة بن عاتق 

النقود الورقية تمتلك خاصية القيمة السوقية. النقود الورقية يجب ان تمتلك تلك الخاصية لتكون وسيلة للتبادل (بين الناس). ولكن مالذي يحدد القيمة السوقية للنقود؟(بمعنى مالذي يجعل هذه العملة لها قيمة اعلى من عملة اخرى  او مالذي يجعل هذه العملة تساوي عدد معين من البضاعة مثلاً لماذا 1 كيلو من الجزر يساوي 3 ريال. مالذي اعطى الثلاث ريالات قيمة لتساوي واحد كيلو من الجزر). لماذا قيمة النقود تتقلب وتميل الى الانخفاض على المدى الطويل (ماكنت تشترية بريال قبل عشرة سنوات اصبحت قيمته اليوم 3 ريال لان قيمة الريال انخفضت). بالاضافة الى ذلك, قيمة النقود الورقية في بعض الاحيان تنخفض بشدة في فترة قصيرة من الزمن

في الاسبوع الماضي طرحنا السؤال التالي : "لماذا تملك النقود الورقية قيمة"؟ النقود الورقية هي لا شي, عبارة عن ورقة وعليها صورة. لماذا شي تقريباً بلا قيمة جوهرية او مادية قد يكون له قيمة؟

في هذا الاسبوع سوف  نطرح  ونجيب على سؤال اكثر صعوبة ولكنه ذي صله بالموضوع. مالذي يحدد قيمة النقود الورقية؟ من اجل القيام بهذا سوف نحدد طبيعة العقد الضمني الذي يحكم النقود الورقية

كما نوقش في ورقة الاسبوع الماضي " تطور المال : لماذا تمتلك النقود الورقية قيمة؟". وجهة نظرنا ان النقود الورقية هي اداة مالية تستمد قيمتها تعاقدياً. (بمعنى ان القيمة للورقة(النقود) التي بين يديك تستمد القيمة لها من كونها مثل العقد بين طرفين وهذا مايعطيها القيمة. فكر بالعقد هو مجرد ورقة لاقيمة لها ولكنه قد يلزمك بدفع مليون ريال اذا وقعت عليه والنقود كذلك هي عقد)

جميع الموجودات اما اصول حقيقية (قطعة ارض/ذهب/سيارة) او اداة مالية (نقود/اسهم/شيك). الاصول الحقيقية تستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية (بمعنى انك تستطيع ان تستنفع منها مثل الارض تبني عليها منزل), بينما الادوات المالية تستمد قيمتها من خصائصها التعاقدية

اول شكل من اشكال النقود استخدمتها المجتمعات البشرية كان استخدام السلعة كنقود (بمعنى اعطيك سلعة وتبادلني بسلعة مثلاَ قمح مقابل تمر). كان هذا المال يستمد قيمته من خصائصة الفيزيائية (بمعنى انك سوف تستفيد من التمر في الاكل عندما تحصل عليه في مقابل اعطاء الطرف الاخر قمح)

مع مرور الوقت تم إدخال العملة الورقية في التبادل. في الاصل, العملة الورقية ليست سوى عقد صريح يعطي حاملها الوعد انه سوف يحصل على بعض السلع. هذه الورقة التي تأخذ صفة تمثيلة تستمد قيمتها من خصائصها التعاقدية بانها سوف تعطي حاملها شي ملموس او محسوس ذو قيمة فيزيائية. (بمعنى انك لا تستطيع ان تاكل الورقة النقدية ولكن امتلاكك للورقة النقدية يظمن لك انك تستطيع ان تحصل على 10 حبات من التفاح لتأكلها وهذا يعطي الورقة النقدية قيمتها)

في مرحلة ما, اصبح العقد الصريح الذي يحكم النقود الورقية باطلاً ولاغياً (بمعنى ان الورقة النقدية التي كانت تعطى لحاملها الحق في امتلاك مثلا 10 حبات من التفاح اصبحت لاغية وباطله وحل محلها عملة جديدة بعقد ضمني بين المجتمع (الذي يصدر المال) وحامل النقود, بمعنى انك تستطيع استعمال هذه الورقة في اي تبادل تجاري وليس محصوره فقط على عشرة حبات من التفاح كما كان في حالة العقد الصريح في السابق)

من خلال استكشاف طبيعة هذا العقد الضمني ,يمكننا البدء في بناء صورة افضل في معرفة ماهي العوامل التي تؤثر على قيمة النقود. علاوة على ذلك نحن يمكننا التفكير من خلال هذا المنظور في معرفة السبب وراء انخفاض قيمة النقود مع مرور الوقت

بعبارات ابسط. من خلال وجهة نظرنا نرى ان انقود الورقية تمثل حق ادعاء نسبي في الانتاج المستقبلي للمجتمع. (بمعنى ان الريال الذي تملكه اليوم هو عبارة عن وثيقة او عقد يظمن لك من خلاله استعمالة في المستقبل لتحصل على جزء من انتاج المجتمع, بعبارة اسهل لماذا تحتفظ بالريال في رصيدك البنكي, انت تعلم انك تستطيع ان تستخدمه في المستقبل من خلال تعاقد ضمني مع المجتمع والا لن تقبل به اذا كنت تعلم انك لن تستطيع استعماله في المستقبل). خلال فترات طويلة من الزمن ,زيادة القاعدة النقدية (حجم الاموال) مقارنة بالانتاج سوف يقلل من قيمة النقود ويؤدي الى زيادة الاسعار. (بمعنى اليوم هناك 5 تفاحات يقابلها 5 ريال فتصبح قيمة كل تفاحه ريال واحد, عندما تزيد حجم النقود من خلال اصدار او طبع المزيد منها بينما يبقى الانتاج ثابت ولايتغير او يرتفع بنسبة اقل من نسبة طبع النقود يصبح هناك 5 تفاحات مثلاً مقابل 10 ريالات فتصبح قيمة التفاحة ريالان بدل من ريال واحد لان زيادة النقود تزيد من حجم الطلب وعندما يرتفع الطلب ترتفع الاسعار اذا كان الانتاج اقل من عرض النقود. مثال آخر يوضح كيف يحصل التضخم هناك سيارة واحدة فقط معروضة للبيع وقيمتها الفين ريال, احمد يملك 5 آلاف ريال ومحمد يملك 5 آلاف ريال وكلاً منهم يريد الحصول على هذه السيارة, مالك السيارة يعرف ان احمد ومحمد مستعدان لدفع اكثر من الفين ريال ,عندها قيمة السيارة سوف ترتفع بسبب ان حجم النقود اكبر من حجم السلع في السوق). لقد رأينا هذا النمط يتكرر في معظم الاقتصاديات الغربية في الخمسين سنة الماضية

على مدى فترات قصيرة من الزمن, التوقعات بشأن القاعدة المالية مقارنة بحجم الانتاج امر حاسم في تحديد قيمة النقود. اذا اصبح الناس اكثر تفاؤلاً حول نمو الانتاج في المستقبل فان قيمة النقود سوف ترتفع . على العكس تماماً, اذا اصبح الناس اقل تفاؤلاً بشأن الانتاج في المستقبل ويعتقدون ان هناك المزيد من النقود سوف تطبع بينما الانتاج لا يتغير حينها سوف تنخفض القيمة الشرائية للعملة وترتفع الاسعار

لماذا هذه الأصول لها قيمة؟ "

في حالة معظم الأصول، وهذا ليس سؤال صعب الإجابة. إذا اخترنا تقريبا أي أصل عشوائيا، وبعد ذلك يمكننا الإجابة على هذا السؤال من خلال تطبيق نموذج بسيط: كل الأصول إما اصول حقيقية (ارض, ذهب,ماشية)، و تستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية، أو أنها أداة مالية (نقد,اسهم)، و تستمد قيمتها من ميزاتها التعاقدية

على سبيل المثال، والأرض هي اصل حقيقي و تستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية: صاحبها يمكن أن يزرع المحاصيل بها  أو بناء مساكن عليها. في المقابل، سندات الشركات هي أحد الأصول المالية التي تستمد قيمتها من الخصائص التعاقدية: أنها تخول  حاملها  للحصول على عوائد مالية في المستقبل

يوفر هذا النموذج لنا وسيلة بسيطة للتفكير في الكيفية التي يستمد أي أصل قيمته. وعلاوة على ذلك، هذا نموذج بسيط يمكن تطبيقه بسهولة على نماذج مبكرة من المال، وهما عندا كنت تستخدم السلع كنقود ( قمح مقابل تمر)والمال التمثيلي (مثل العملات التي تستخدم تحت غطاء الذهب كالدولار سابقاً )

السلع عندما تستخدم كمال هي السلعة التي يتم استخدامها كوسيلة للتبادل. المثال الأكثر وضوحا هو الذهب. السلعة هي الثروة الحقيقية ,وتستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية (مثال على ذلك انا اعطيك خمس قطع ذهبية في مقابل ان تعطيني قطيع من الماشية و كلانا سوف يستفيد من هذه السلع في استخدام فيزيائي لها. انا سوف استخدم الماشية في الاكل وانت سوف تستخدم الذهب في صناعة حلي وجواهر على سبيل المثال)

 


المال التمثيلي هو النقود الورقية التي تعطيك حق الادعاء ضد الجهة المصدرة لتلك الورقة لكمية معينة من سلعة بناء على طلبها. في عبارة مختلفة قليلا، حيازة المال التمثيلي تجعل حاملها يحمل مايشبة العقد الصريح بوعود لتسليم كمية معينة من الأصول الحقيقية

المثال الأكثر وضوحا على المال التمثيلي هو النقود الورقية التي صدرت بموجب معيار الذهب. في حالة معيار الذهب، كانت كل ورقة نقدية صادرة عبارة عن وعد صريح من قبل مصدر تلك العملة لتسليم كمية معينة من الذهب عند الطلب  

من وجهة نظرنا حول نموذج "الاصول الحقيقية في مقابل الاصول المالية" الاموال التمثيلة عبارة عن ادوات مالية. المال التمثيلي هو أحد الأصول التي تستمد قيمتها من خصائصه التعاقدية الصريحة

المحصلة هو انه لدينا نموذج واحد بسيط يمكن استخدامه لشرح لماذا اي اصل يحمل قيمة. علاوة على ذلك هذا النموذج مفيدة لتطبيقه على الاشكال الاولية القديمة للمال سواء المال السلعي (عندما كانت تستخدم السلعة ك عملة) او على المال التمثيلي (الدولار المغطى بالذهب)

الان دعونا نسأل السؤال التالي: لماذا النقود الورقية تحمل قيمة؟

بالتأكيد فان افضل مكان للبدء عن اجابة هذا السؤال يكمن في استخدام نموذج "الاصول الحقيقية /الادوات المالية" . بعد كل شي, يبدوا ان هذا النموذج قادر على شرح لماذا معظم الاصول تحمل قيمة, بما فيها الاشكال البدائية من المال

على الرغم من بساطة ومنطقية هذا النموذج, معظم الاقتصاديين يتجاهلون هذا النموذج في تحليلهم للنقود الورقية. بدلاً من ذلك, يفضل الاقتصاديين على ان يتعاملوا  مع النقود الورقية على انها شي خاص وسحري:هم يعتبرون العملة الورقية عبارة عن اصل فريد من نوعه وغامض ويعتبرونه استثناء ولايمكن تطبيق النموذج البسيط عليه (الذي تم من خلاله شرح الاشكال السابقة للمال)

يكمن الاشكال في انه عندما يتجاهل الاقتصاديون هذا النموذج (في شرح لماذا العملة النقدية تملك قيمة) فانهم سوف يجبرون في المغامرة بالدخول الى منطقة فكرية  عشوائية وخطيرة. بعد كل هذا, اذا لم يستمد الاصل قيمته من خلال خصائصة الفيزيائية (كالذهب و قطعة الارض) او خصائصة التعاقدية (العملة النقدية), اذن كيف يحصل على قيمته؟

  

قطعاً قد اخترع الاقتصاديون حلول لهذه المعظلة وتبدوا الحلول منطقية ولكن فقط على المستوى السطحي, ولكن حلولهم سوف تنهار بمجرد خدش السطح. واحدة من أفضل الأمثلة على ذلك هو نظرية كينز الطلب على النقود كما تبنها في كتابه "النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال" . (كينز من اهم الاقتصادين في القرن العشرين ويعتبر من مؤسسين النظريات الاقتصادية لدولة الرفاه الحديثه)


إذا بحثت من خلال اللغة المنمقة التي يستخدمها كينز، أطروحته الأساسية هي أن الطلب على النقود يعتمد على فائدة النقود كوسيلة للتبادل والجاذبية النسبية للمال  كمخزن للقيمة (بمعنى ان النقود عبارة عن مخزن يخزن المجتمع من خلاله القيم كالسلع والخدمات (العمل) فيها وتتم مبادلة تلك السلع والخدمات من خلال تبادل المال هذه هي اطروحة كينز)



ظاهريا، طرح كينز يبدوا معقولاٌ . المال هو وسيلة مفيدة للتبادل، ونحن يمكننا استخدامه كمخزن للقيمة. لذلك، يمكن للمرء أن يميل إلى القول، كما يفعل كينز، أن السبب في كون ان المال له قيمة (و احد الاسباب  لوجود الطلب على النقود) لأن المال يقوم بهذه المهام (وسيلة للتبادل,مخزن للقيمة)



المشكلة مع هذه الحجة هي أنها تفشل في المقام الاول في التعرف لماذا  يمكن للمال أن يؤدي تلك الوظائف. السبب الوحيد  في كون المال أن يكون بمثابة وسيلة للتبادل لان للمال قيمة. وبالمثل، يكمن السبب في كون المال بمثابة مخزن للقيمة لأن المال له قيمة

 

لايمكنك بناء نظرية الطلب على النقود اعتماداً على الوظائف التي يقوم بها المال: المال يستطيع فقط ان يؤدي وظيفته لان هناك طلب عليه.اذا كنت تعتمد على وظائف المال لتولد طلب عليه (اي ان وظائف المال هي الآلية التي يستمد منها المال قيمته), انت قد خلقت حجة دائرية من المغالطات

 

لحسن الحظ, هنالك طريقة افضل لفهم كيف يستمد المال قيمته, وان كانت اكثر صعوبه وتمثل تحدياً فكرياً. بدلاً من محاولة خلق حلول تجعلنا نشعر بالراحة لفهم (حول كيف يستمد المال قيمته) ولكنها تنهار بمجرد ان نخدش السطح. (بمعنى ان التفسيرات البسيطة لفهم كيف يستمد المال قيمته كما يفعل كينز هي تجعلنا نشعر بالراحة الفكرية ولكنها شروحات زائفة ولاتفسر حقيقة الآلية التي تستمد منها النقود قيمتها). يمكننا محاولة تطبيق نموذجنا السابق (الاصول الحقيقية في مقابل الادوات المالية) لفهم كيف تستمد العملات الورقية قيمتها


من الواضح, ان العملات الورقية ليست اصول حقيقية, كما لاحظ الكثيرين, النقود الورقية في كثير من الاحيان لاشي سوى مجرد قطع ورقية عليها بعض الحبر. بالتالي, من الانصاف القول بأن النقود الورقية ليست اصول حقيقية ولاتستمد قيمتها من خصائصها الفيزيائية

 

هذا يتركنا مع خيار وحيد: النقود الورقية هي أداة مالية وتستمد قيمتها من الخصائص التعاقدية لها

 

السؤال الصعب, ذلك السؤال الذي فقط امضى عدد قليل جداً من الاقتصادين وقتاً للنظر به, هو ماهي طبيعة الاتفاق التعاقدي الذي يحكم العملات الورقية ؟ ومن الواضح أن شروط أي عقد اما معيارية أو مباشرة (إذا كانت كذلك، عندئذ التكهنات حول هذا الموضوع سوف تكون متطورة). ولكن هذا لا ينبغي أن يثنينا عن هذا الطريق: اذا كنا نستطيع اقتراح حل التعاقدي الذي قد يكون معقول، اذاً هذا أفضل بكثير من محاولة خلق نموذج بديل لشرح كيفية ان احد الأصول المحددة (النقود الورقية) تستمد قيمتها

 

التفكير في الأمر بهذه الطريقة. و لأول وهلة، ما هو أفضل نهج للالإجابة على السؤال التالي "كيف النقود الائتمانية تستمد قيمتها

هل ينبغي علينا

 

أ- محاولة ذلك النموذج المطبق بالفعل والذي رسخ في استخلاصة الكيفية التي تستمد منها الاصول قيمتهاو حتى وان كان هذا الطريق يطرح بعض التحديات الفكرية في شرح كيف يحصل اصل بعينه قيمته, او

 

ب- محاولة خلق نموذج جديد لشرح كيف يستمد اصل واحد قيمته (النقود الورقية) من جميع الاصول الموجودة بطريقة مستقلة تماماً عن بقية الاصول. (بمعنى معالمة النقود الورقية معاملة مستقلة عن اي اصل آخر وكأنها شي سحري لايمكن فهمه اذا ما قورن ببقية الموجودات من اصول أخرى)

 

من وجهة نظرنا انه يتوجب علينا بذل جهود متضافرة لشرح النقود الورقية من خلال النموذج الموجود. وبالتالي ذلك يتطلب منا الاستكشاف والتكهن على طبيعة الاتفاق الضمني الذي يحكم النقود الورقية ومن اين ستمتد النقود الورقية قيمتها



الاتفاق الضمني لحامل المال

قبل أن التكهن بشأن طبيعة الاتفاق التعاقدي الذي يحكم النقود الورقية، نحن بحاجة إلى النظر في بعض النقاط الهامة

في البداية, انه امر يساعدنا لنعطي ذلك الاتفاق الضمني مسمى. ولعدم وجود مصطلح افضل, وسوف نسمي الاتفاق التعاقدي الذي يحكم النقود الورقية "اتفاق أصحاب المال

ثانيا، علينا أن نكون حذرين مع تعرفينا الخاص لما هو "المال". لأغراض هذا التحليل، تم تعريف "المال" على أنه القاعدة النقدية فقط. وذلك لأسباب ينبغي أن تصبح واضحه في المناقشات التالية، القاعدة النقدية هي فريدة من نوعها كأداة مالية. معظم الأصول التي يصفها الاقتصاديون بالمال، وأبرزها الودائع المصرفية، يتم إنشاؤها بواسطة الترتيبات التعاقدية بين أطراف من القطاع الخاص مثل البنوك وأصحاب الودائع. في المقابل، لا يمكن للقاعدة النقدية ان تصدر الا فقط عن الحكومة (تتصرف نيابة عن المجتمع): القاعدة النقدية، "النقود الورقية" في أنقى معنى الكلمة، لا يمكن إنشاؤها من قبل الأفراد والمصارف أو الشركات

ثالثا، نحن بحاجة إلى الاعتراف بأن الاتفاق الذي يحكم النقود الورقية هو عقد ضمني، في الواقع، وليس عقد صريح. ماذا يعني ذلك ؟ ذلك يعني انه لا يوجد عقد صريح يمكن قرائته, او عقد شفهي يمكن الاستماع اليه. (بمعنى انه لايوجد عقد بيننا عندما نستخدم المال كوسيلة  للتبادل بل هو اتفاق ضمني بين افراد المجتمع ولذلك تستطيع ان تستخدم الريال في جدة كما تستطيع ان تسخدمه في الظهران لان جميع افرادالمجتمع يتفقون على جعل الريال عملة التبادل دون الحاجة لكتابة تعاقدات صريحه, بل نستطيع ان نعمم التجربه على مستوى المجتمع البشري ككل انت تستطيع ان تستخدم الدولار في امريكا او باكستان دون الحاجة لكتابة تعاقدات صريحة على ان التاجر في باكستان يجب يقبل بالدولار) . بدلاً من كتابة نص صريح( لجعل المال وسيلة تبادل), اتفاق أصحاب المال هو عقد تم انشاؤه من قبل الفهم المشترك او المتبادل, والتفاهم يكون ضمني من خلال سلوك الاطراف هذا العقد. (بمعنى ان هناك اتفاق ضمني بين افراد المجتمع على ان المال هو وسيلة التبادل, انت عندما تدخل المتجرلتشتري مواد غذائية هناك اتفاق ضمني بينك كمشتري وبين صاحب المتجر على ان العملة هي وسيلة تبادل حتى وان كنتما لاتدركان طبيعة هذا الاتفاق الضمني, لكن السلوك الصادر منكما كطرفين يعزز هذا الاتفاق الضمني)

الطبيعة الضمنية لاتفاق اصحاب المال يجعل من الصعب التكهن بالشروط المحددة لذلك الاتفاق, ولكن يمكننا ان نحاول وضع ورقة اجل معقولة, بالاعتماد على الافكار من طبيعة ادوات مالية أخرى
وبعد ذلك نفكر في الكيفية التي يمكن أن تؤثر هذه الشروط على تقييمنا للمال. لدرجة اننا يمكننا استخدام مستوى الاسعار ليوفر لنا بعض الادلة حول الكيفية  التي يتعدل من خلالها تقييم المال كستجابة لاحداث تاريخية مختلفة وتحولات في التوقعات المستقبلية (بمعنى ان تقييم المال او قيمة المال تختلف في حالة الحرب عنها في حالة السلام على سبيل المثال, مثلاً في حالات الحرب دائماً ماتنخفض قيمة العملة وترتفع الاسعار لان الناس متشائمون حول المستقبل ولا احد يريد ان يخسر سلعة او يقدم خدمة من اجل ورقة قد تنهار وتصبح بلا قيمة, شهدت لبنان والصومال حروب اهلية ادت الى انهيار عملاتها واصبحت بلا قيمة واستبدلت تلك المجتمعات عملتها بعملات تصدرها دول اجنبية (الدولار) لان الناس فقدت الثقة في عملتها المحلية), ثم يمكننا تحديد ما إذا كانت شروط اتفاق اصحاب المال، تبدو واقعية


لذا، دعونا نبدأ محاولة تشريح الشروط الضمنية  لاتفاق اصحاب المال

عملية إنشاء أي أداة مالية تبدأ مع تحديد الاطراف المقابلة للاتفاق. بالتالي السؤال الاول الذي نحتاج الى نسألة في علاقة اتفاق اصحاب المال هو من هم الاطراف المقابلة لهذا الاتفاق؟

بوضوح, احد الاطراف لهذا الاتفاق هو حامل المال, الناس الذي في حيازتهم المال . كما يوضح الرسم البياني ادناه. المال هو اصل لحامل المال. ومع ذلك, من اجل ان تكون الاداة المالية اصل لطرف واحد, يجب ان تكون دين للطرف الآخر. لذا من هو الطرف المقابل؟ من هو المصدر للعملة؟

 وجهة نظرنا هي التالي,من منظور اقتصادي, المجتمع نفسه هو الذي يصدر القاعدة النقدية. من منظور قانوني, الحكومة هي التي تصدر القاعدة النقدية. ومع ذلك, من المنظور الاقتصادي, الحكومة عبارة عن صدفه فارغه (من الصدف): هي لا شي سوى وسيلة قانونيه مخلوق من قبل المجتمع من اجل تحقيق النتائج الاقتصادية والاجتماعية التي يرغب بها المجتمع. اصول تلك الوسيلة (الحكومة), في الحقيقة, اصول تنتمي الينا جميعاً, الجسور, المطارات والدبابات التي تمتلكها الحكومة هي اصول مملوكة للمجتمع. فان التزامات تلك الوسيلة (الحكومة), على الاقل من منظور اقتصادي, هي ديون على المجتمع. (المقصد ان الحكومة عبارة عن كيان يقوم بانشائه المجتمع, وكل ماتملكه تلك الحكومة في الحقيقة هو ملك للمجتمع, وكل التزام او دين على تلك الحكومة هو دين على المجتمع, الامر لايتعلق بكيفية شكل تللك الحكومة هل هي ديمقراطية ام ديكتاتورية, ولكن مايسمى مجتمع او شعب يقوم بانشاء كيان قانوني يسمى الحكومة وهي التي تمثل قانوياً اصول او ديون ذلك المجتمع)

طريقة اسهل لتفكر حول هذا الموضوع في سياق الدين الحكومي. من منظور قانوني, الدين الحكومي هو التزام على الحكومة. ومع ذلك, من وجهة نظر اقتصادية, الدين الحكومي بجدارة اكثر يعتبر مسؤولية المجتمع. بالتحديد اكثر, الدين الحكومي عبارة عن مطالبة للانتاج المستقبلي للمجتمع (مثال توضيحي عندما يستدين والدك ليبني لك ولاخوتك منزل, الدائن في المستقبل لايهتم هل انت ام ابيك من استدان منه وانما مايهمه هو العوائد التي سوف ينتجها هذا المنزل والتي سوف يسترد منها القرض الذي اقرضه لوالدك. كذلك الدين الحكومي هو ادعاء للمطالبة بالانتاج المستقبلي للمجتمع, الحكومة تستدين لتبني مطار, عوائد ذلك المطار في المستقبل سوف تستخدم لسد ذلك الدين) 

ان لم تكن مقتنع بهذا, انه امر يستحق التفكير, لماذا يجذب الدين الحكومي الامريكي تصنيف ائتماني عالي. المستثمرون في الدين الحكومي الامريكي لا يشعرون بالأمان لانهم يعتقدون ان الدين مدعوم بالايمان الكامل والشرف لحكومة الولايات المتحدة. المستثمرون يعتقدون ان الدين الحكومي الامريكي يعتبر مخاطرة صغيرة او منخفضة لانها مدعومة بالآفاق المستقبلية للاقتصاد الأمريكي. الاقتصاد الامريكي من اكثر الاقتصادات تنوعاً واستقرار في العالم. (اذا اتى اليك شخصان, احدهما جامعي متعلم تعليم جيد, ذكي ويملك رؤية , والآخر غير متعلم, ولاتبدوا عليه الجدية وطلبا منك الاثنين ان تقرضهما. ايهما ستقرض؟ الاجابة بسيطة, سوف تقرض الجامعي المتعلم لان فرصتك في استرداد نقودك ومعها عوائد اكبر مع الجامعي, بينما اقراض الشخص الآخر مجازفة. هذا هو الفرق لماذا يقرض العالم امريكا, بينما يتردد ويضع شروط صعبه  لاقراض الدول الفقيرة, لان المخاطرة اكبر مع اقراض الدول الفقيرة). هو المجتمع, من خلال المعالجة السياسية, الذي اما ان تختار ان تفي بهذا الدين الحكومي, الدين الذي له قيمة فقط لانه في الحقيقة التزام ومسؤولية المجتمع من خلال الانتاج المستقبلي للمجتمع

النقطة هي ان كلاً من الدين الحكومي والقاعدة النقدية هي مسئوليات الحكومة بالاسم فقط, هم: من منظور اقتصادي, مسؤولية المجتمع نفسه

هذا يطرح السؤال البديهي التالي: ماذا  يمكن ان ينتج المجتمع ليقدم إلى الطرف المقابل من هذا الاتفاق؟ تذكر، كل أداة مالية تمثل نوعا من المقايضة: تستطيع أن تعطيني شيئا من المنفعة الاقتصادية اليوم، وأنا سوف أعطيك شيئا من منفعة اقتصادية غدا

لذلك مالذي يمكنه ان يقدمه مجتمعنا كمقابل للديون التي يخلقها؟ الجواب الناتج الاقتصادي في المستقبل

على مستوى عال، والطريقة الوحيدة التي يمكن لمجتمعنا دفع النفقات و اقامة المشاريع العامة هي عن طريق التضحية بالناتج الاقتصادي. يمكننا أن ندفع للمشاريع العامة من خلال الناتج الاقتصادي الحالي (رفع الضرائب اليوم)، أو يمكن أن ندفع لهذه المشاريع بالناتج الاقتصادي في المستقبل. ومع ذلك,
من أجل تمويل المشروعات مع الناتج الاقتصادي في المستقبل، نحن بحاجة إلى إيجاد وسيلة قانونية (الحكومة) التي يمكن أن تكون بمثابة مصدر للديون التي تمثل مطالبة على الانتاج في المستقبل (بمعنى ان الحكومة هي المرجع القانوني لمن يطلب ان يأخذ من الانتاج في المستقبل, مثلاً الصين تقرض الولايات المتحدة اليوم لتبني الولايات المتحدة الطرق, الحكومة الامريكية هي الممثل القانوني الذي سوف تعود اليه الصين في المستقبل لتطلبها حصة من الانتاج الامريكي المستقبلي لتسديد ديون الولايات المتحدة)


مرة أخرى، نحن بحاجة إلى التفكير في دور الحكومة (كيان قانوني) وعلاقته بالمجتمع (كيان غير قانوني). وجهة نظرنا هي ان احد الادوار التي تقوم بها الحكومة ككيان قانوني هي الاحتفاظ باصول المجتمع واصدار الديون نيابة عن المجتمع. (المجتمع لايمكن ان يحافظ على الاصول او يصدر الديون لانه كيان غير قانوني)

ومع ذلك، من أجل ان يتم السماح للحكومة لإصدار أية التزامات ذات معنى (لا سيما الدين الحكومي والمال)، يجب أن يؤذن للحكومة من قبل المجتمع لإصدار المطالبات ضد الناتج الاقتصادي المستقبلي للمجتمع. وتتضح هذه الآلية في الرسم البياني أدناه

كما نوقش، الدين الحكومي هو ادعاء غير مباشر على الإنتاج الاقتصادي في المستقبل (يمثل الدين الحكومي مطالبة للضرائب المستقبلية التي، بدورها، مطالبة في الناتج الاقتصادي في المستقبل)

في المقابل، المال (القاعدة النقدية) تمثل مطالبة مباشرة على الناتج الاقتصادي في المستقبل

بعبارة بسيطة جداً, اتفاق اصحاب المال يعد المستلم للمال في مقابل انتاجهم اليوم, هم سوف يكونون قادرين على استخدام المال الذي استلموه للمطالبة بحصة من الانتاج المستقلبي للمجتمع

على سبيل المثال، لنفترض أن مجتمعنا يريد بناء جسر جديد. بدلا من تمويل هذا الجسر عن طريق رفع الضرائب اليوم أو زيادة الضرائب غدا (إصدار السندات الحكومية)، يقرر المجتمع مجرد إصدار المزيد من المطالبات ضد انتاجه (المال). انت كمقاول بناء، تقبل هذا المال المطبوع حديثا، ليس بسبب خصائصه الفيزيائية ، ولكن لأنه يمثل دعوى ضد انتاج المجتمع في المستقبل

بصراحة، هذا المفهوم الأساسي هو واضح إلى حد ما. الحيلة هي فك الرموز الدقيقة لطبيعة الادعاء على الانتاج في المستقبل

المصدر

What Factors Influence the Value of Fiat Money? 

في المحصلة 

النقود الورقية تعكس النشاط الاقتصادي لمجتمع ما. اذا كان هذا المجتمع او الجهة البشرية التي تصدر تلك النقود قادرة اقتصادياً على الايفاء بمتطلبات تلك العملة, فحينها سوف يكون لتلك العملة قيمة. النقود الورقية هي عبارة فقط عن وسيلة حضارية في التبادل وتعكس ثقة المجتمع بها. اذا كنت انا لا اثق ان لتلك النقود قيمة فانها سوف تنهار لانني لن اقبل ان اعطي جزء من انتاجي الاقتصادي مقابل ورقة لا اعتقد ان لها قيمة. في فينيزويلا اليوم انهارات العملة واصبحت مناديل المراحيض اغلى قيمة من العملة نفسها لماذا؟ هل لان الورقة التي تطبع عليها فينيزويلا عملتها رخصية؟ بالتأكيد لا. ولكن ما حصل ان العملة الفينيزولية كانت تعتمد في قوتها على عائدات النفط والتي توفر لها الغطاء النقدي من الدولار (عملة العالم الاحتياطية) وعندما انهارات اسعار النفط قل تدفق العملة الصعبة وراحت الحكومة تطبع المزيد والمزيد من الورق (العملة) وهذا جعل الجميع يفقد الثقة في تلك الورقة التي تصدرها الحكومة الفينيزولية انها بلا غطاء دولاري, ولذلك انهارت قيمتها. العملة الورقية ليست سحراً عندما تعطيها لشخص ما فانه سوف يقوم باعطائك ماتريد. هي فقط الشكل الظاهري لاتفاق ضمني (سواء عرفوا به او لم يعرفوا) بين افراد مجتمع ما. هناك عوامل فنية اقتصادية وسياسية تحدد قيمة العملة الورقية, وفي الاساس قيمة العملة تحددها القيمة الانتاجة الاقتصادية لهذا البلد او ذاك. في حالة الريال السعودي ما الذي يجعل للريال قيمة؟ بمعنى لماذا انا كشخص سعودي سوف اقوم باستخدام هذه العملة؟ ماهي الدوافع الاقتصادية التي تجعلني مطمئن ان لهذه العملة قيمة؟ نتخيل السيناريو التالي. انا ذهبت الى السوق واشتريت منتجاً مستورداً بقيمة 200 ريال. التاجر حصل على 200 ريال واودعها في البنك, التاجر لاحقاً سوف يستخدم هذه ال 200 ريال في جلب بضاعة مستوردة جديدة, ماذا سوف يفعل؟ هو لن يدفع الى المورد الاجنبي بالريال السعودي, بل بعملة العالم الاحتياطية وهي الدولار. ماذا سوف يفعل التاجر؟ سوف يذهب الى تلك الجهه التي اصدرت ال 200 ريال وهي الحكومة في هذه الحال ليبادل هذه ال 200 ريال بالدولار, الحكومة ملتزمة التزام قانوني ان سعر 200 ريال يساوي 53.3 دولار اذا تم تحويل العملة. الحكومة سوف تقوم بمبادلة هذه ال 200 ريال بالدولار والتاجر سوف يستخدم الاموال المحولة لشراء بضاعة جديدة. انا كمشتري في البداية وثقة بالحكومة واستخدمت الورقة التي تطبعها كمال, التاجر وثق ايضاً في الحكومة انه عندما يريد تحويل اموالة الى عملة اخرى فان الحكومة تستطيع ان توفر العملة الصعبة لتبادل عملتها بها ( وان كان هذا يحدث في سوق العملات ولكن الذي يجعل الجميع يثقون بالريال هو ثقتهم بالحكومة ان لديها احتياطات من النقد الاجنبي تستطيع الالتزام بها اذا دعت الحاجة لتدخل الحكومة في السوق للمحافظة على قيمة عملتها). الحكومة تملك النقد الاجنبي لان لديها نفط وهو مايجعل انتاجها الاقتصادي ذو قيمة وهذا يساعدها على ابقاء عملتها قوية. خذ مصر مثالاً, اليوم الجنية يساوي تقريباً 12دولار او اكثر لماذا؟ لان الحكومة المصرية لاتملك نفط لتبيعة ويدخل عليها الدولار من ذلك, ولذلك هي تخفض من قيمة عملتها المحلية حتى لا تتبخر جميع الدولارات التي تمتلكها, فمثلاً لو كانت قيمة الجنية في مقابل الدولار 3 جنيهات لكل دولار, سوف لن تستطيع الحكومة المصرية الاتزام بهذا المعدل وهذا يجعل خزائنها خاوية ويتسبب في انهيار تام للعملة. سوف تجد ان معضلة مصر النقدية هو فقط عارض لمشكلة اعمق واكبر وهي مشكلة اقتصادية في الاساس وتتمثل في ضعف الانتاج الاقتصادي المصري وهو مايجعل قيمة عملتها ضعيف. انت عندما تمتلك الجنية المصري فانك لن تشتري به ايباد او آيفون او طائرة او سيارة 2016, ولكن لو كان لديك ين ياباني فانك تستطيع شراء سيارة تويوتا, واذا كان لديك دولار امريكي فانك تستطيع شراء طائرة بوينج, واذا كان لديك يورو تستطيع ان تشتري مرسيدس الالمانية او فيراري الايطالية. لو عدنا الى حالة الريال؟ حسناً ماالذي سوف تشترية لو ملكت الريال السعودي, لو كان النفط يباع بالريال لقلنا نفط, ولكن بما ان النفط يباع بالدولار فانت تستخدم الريال لتحوله الى دولار ومن ثم تستخدم الدولار في التجارة العالمية. الريال بلا نفط سوف يكون ضعيف القيمة تقريباً, لانه لا توجد دوافع اقتصادية تدفع احداً ما لان يتعامل به الا في مناسبات قليلة مثل السياحة الدينية وهذه جزء صغير ومحدود اذا ما قورنت بالقيمة الانتاجية الاسطورية للنفط, لان السعودية دولة غير مصنعة او منتجة للخدمات وهذا يجعل قيمة عملتها ضعيفة اذا ما خرج النفط من المعادلة.