Sunday, September 25, 2016

رحلة النفط الطويلة والتداعيات التي احدثتها في حياة انسان الجزيرة




بن عاتق
 9/25/2016

في المقال الاول ( السعودي الذي لايعرف قصة النفط هو مثل الشخص الذي يجهل  تاريخ ابيه) تطرقت للكيفية التي يربطنا بها النفط بالعالم اقتصادياً. وذكرت ان المعبر الوحيد لنا للاسواق العالمية هو النفط. فنحن لانملك اليد العاملة التي تستطيع ان تنتج منتجات تستطيع دخول السوق العالمية كسلع والمنافسة بها, فنحن لانزال متأخرين علمياً وتقنياً لنصنع بضائع وخدمات يمكن ان يتم تداولها في الاسواق العالمية. تستطيع ان تقارن حالنا بدون النفط كحال الدول الفقيرة وفي احسن الاحوال الدول متوسطة الدخل والتي تكافح من اجل البقاء. مصر على سبيل المثال, تكافح اليوم وتعاني من اجل نقص الدولار في الاسواق المحلية. مصر دولة تستورد اكثر مما تصدر وهذا يجعلها تسجل عجزاً في الميزان التجاري (الصادرات -الواردات) وقد بلغ في الربع الاول من هذا العام 7.83 مليار دولار. السعودية تتجنب مثل هذه المشاكل النقدية لان النفط يوفر لها العملة الصعبة ويجعلها تستطيع الاستيراد. تأثيرات النفط تتعدى الاقتصاد, وتأثر على السياسة و الثقافة الشعبية بشكل عام. الكثير من السعوديين يعرفون ان النفط هو مصدر الدخل للبلاد وهو سلعة مهمة بالنسبة للسعودية, ولكن المعرفة بالنفط في الغالب تتوقف عند هذه النقطة ولا يوجد تأثير كبير في الثقافة الشعبية السعودية بالتأثيرات الاجتماعية التي يخلقها النفط والاقتصاد الريعي معه, لذلك تجد الثقافة الشعبية مشغولة بالماضي كثيراً وتحاول ان تعيش في الماضي وتصنع رموزاً من شخصيات تراثية نحن لانعرف عنها الا من خلال كتب التراث. الجهل بالتأثيرات التي يخلقها النفط ليس مقتصر على الطبقات البسيطة, بل حتى من يعتبرون انفسهم نخبة هم يجهلون الكثير عن تأثيرات النفط ويحصرون النقاشات غالباً في المنطقة الثقافية ويتم تصوير الحراك الاجتماعي على انه صراع بين ثقافة قديمة تحاول تجميد المجتمع في القرن  السابع الميلادي, وثقافة عصرية تحاول الانفتاح والتأقلم من العصر الحديث. هذا التحليل صحيح, ولكنه لايذهب الى فهم الجذور لهذا الحراك والتحول الاقتصادي الجذري  الذي خلقه النفط وتبعاته الثقافية على انسان الجزيرة العربية. عندما تحدث ولي ولي العهد عن خطته للتحول بعيداً عن النفط كان ذلك اول مسؤول سعودي بهذا المستوى يتحدث بشكل مكثف عن هذا الموضوع. ربما الامر الايجابي من طرح رؤية السعودية 2030 حتى الأن هو لفت الانتباه الى دور واهمية النفط, وهي مثل تسليط الضوء على ركن معتم بعد ان كان شبه مهمل شعبياً وثقافياً. رحلة النفط لم تبداء حديثاً بل هي رحلة طويلة بدأت من ثلاثينيات القرن العشرن حتى وصلنا الى خطة التحول الوطني للذهاب بعيداً عن النفط وفي هذه العقود تم اعادة صياغة انسان الجزيرة العربية سياسياً, ثقافياً, اقتصادياً واجتماعياً على ماهو علية اليوم
 

   في الورقة البحثية تدوير اموال البترودولار بين السعودية وايران والتي رصدت المسار التطوري لاقتصاد كلا البلدين بعد تدفق عوائد النفط  1. ناقش الكاتب  رامين نصحي كيف ان الاقتصاد السعودي ولد ليكون معتمد في وجودة على سلعة وحيدة متمثلة بالنفط. تزامن اكتشاف النفط في السعودية في الثلاثينيات من القرن العشرين مع وضع اسس الدولة السعودية الثالثة لتكون اول كيان مؤسسي حديث في الجزيرة العربية. بدأت عوائد النفط تتدفق بشكل كبير في الخمسينات بعد ان ابرمت الحكومة السعودية اتفاقية جديدة مع شركة ارامكو (والتي كانت عبارة عن تجمع لشركات نفط امريكية) تتيح هذه الاتفاقية للحكومة السعودية ان تحصل على نصف عائدات البترول, بعد ان كان يذهب الكثير منها للشركات الامريكية منذ لحظة انطلاق التصدير في عام 1938-1950 5. اتت الطفرة النفطية الاولى في عام 1974-1975بعد المقاطعة العربية لتصدير النفط على اثر حرب مصر مع اسرائيل في عام 1973. بدأت المقطاعة في اكتوبر 1973 وكان حينها سعر النفط 3 دولار للبرميل, انتهت المقاطعة في مارس 1974 ليصعد سعر النفط الى 12 دولار للبرميل.  في عام 1947 استحوذت الحكومة السعودية على 60% من شركة ارامكو, حتى تم الاستحواذ عليها بشكل كامل في الثمناينات. ارتفاع اسعار النفط بعد المقاطعة واستحواذ الحكومة السعودية على حصة كبيرة من ارامكو في عام 1974 اتاح للحكومة السعودية عوائد  مالية ضخمة. بالعودة الى الورقة البحثية المذكورة سابقاً, يقول الكاتب ان السعودية لم تكن مستعدة اقتصادياً الى امتصاص هذه العوائد النفطية الكبيرة وتدويرها في الاقتصاد المحلي  ولم تكن تملك الكوادر البشرية لتطوير الاقتصاد. اختارت السعودية ان تستثمر هذه العوائد في الخارج وخصوصاً في سندات الخزانة الامريكية والسوق الامريكية "هذا كان احد اركان صفقة البترودولار بين المملكة وامريكا". في عام 1974 كان عدد سكان المملكة تقريباً 7 مليون نسمة, وكانت نسبة الامية حينها تصل الى 70% او في هذه الحدود تزيد او تنقص قليلاً. من الواضح انه كان هناك خلل هيكلي في الاقتصاد السعودي بافتقارة لليد العاملة المحلية وهذا فتح الباب على مصارعية لجلب العمالة الخارجية لشغل الوظائف. تركزت هذه الوظائف في البداية على التعليم ومن ثم تطورت ليصبح سوق العمل الخاص الذي انتجته الطفرة النفطية معتمداً بشكل اساسي على اليد العاملة الاجنبية. سوق العمل الخاص امر حديث ومستحدث في السعودية. لا املك مصادر اكاديمية ولكن حسب ما سمعت من من عاشوا في تلك الفترة (فترة ماقبل الطفرة او اكثر بقليل ان السعوديون كانوا يشتغلون بالزراعة,الرعي,الصيد والتجارة, وان المهن كانت مهن بسيطه مثل الحماليين وعمال البناء, وفي المناطق التي اكتشف بها النفط كانوا يعلمون في مصانع الزيت, وسكان الامكان المقدسة يعلمون في الخدمات التي تقدم للزوار). بداء تدفق العمالة الجديدة وخلق وظائف جديدة لم تكن موجودة او منتشرة من قبل بعد الطفرة النفطية. وصل عدد السكان الى تقريب 10 مليون مع مطلع الثمانينات بعد ان كان في حدود 7 مليون في بداية السبعينات. لاتوجد احصائيات دقيقة حسب ما اعرف عن نسبة السعوديين من الاجانب ف تلك الفترة. تدفق الاجانب بشكل كبير كان في نهاية الثمانينات وبعد حرب الخليج خصوصاً من شبه القارة الهندية, وبعد ماتم ترحيل مواطنيين دولة اليمن بعد موقف على عبدالله صالح من غزو الكويت. الشاهد ان الاقتصاد السعودي الجديد بني على ركائز لم تكن تاريخياً موجودة من قبل مثل النفط والاستعانة بالخبرات الوافدة. على سبيل المثال, النظام المصرفي والسياسة النقدية  وهما عصب الاقتصاد تم بنائهما من قبل خبرات خارجية,  فمؤسسة النقد السعودية تم تأسيسها عام 1952 وقد  تناوب ثلاث محافظون من امريكا على رئاستها وقت التأسيس. الاول كان جورج بلوارز 1952-1954,الثاني راف ستاندش 1954-1958 والثالث انور علي امريكي من اصول باكستانية 1958-1974,حتى وصلنا الى اول سعودي يتولى رئاسة مؤسسة النقد بعد عقدين من تأسيسها وكان عبدالعزيز القريشي 1974-1983. 2. لم تكن هناك عملة محلية سابقاً بالمفهوم الحديث للعملة من قبل, بل كان يتم تداول عملات اجنبية مثل جنية جورج الانجليزي, الريال المجيدي العثماني والاكثر شيوعياً الريال النمساوي ( ريال تالر ماريا تريزا). لم يكن لدى السعوديين ابسط اسس الاقتصاد الحديث المتمثل بوجود عملة محلية قبل تدفق عائدات النفط. عائدات النفط هي من اتاح للسعودية خلق عملة محلية قوية لانها تستطيع ان تغطيها بالعملة الصعبة. تستطيع ان تضرب امثلة اخرى مثل شركة ارامكو (اهم ماتملك السعودية لتنفق على نفسها)  فقد تم وضع لبناتها واساسها الامريكيون وكانت عبارة عن تجمع لشركات نفطية امريكية تكون في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي حتى اصبحت سعودية بالكامل في مطلع الثمانينات.  الشاهد من هذا ان السعودي لم يكن معد بعد علمياً وتقنياً لادارة اقتصاد مليوني كبير به عائدات كبيرة, فلذا تم الاستعانة باليد العاملة الاجنبية وهي من ساعد على تطوير الاقتصاد او على الاقل ادارته, ومن حسن الحظ ان اموال النفط كانت كبيرة بحيث سمحت للسعودية ان تجلب وتستفيد من كل تلك الخبرات. دول فقيرة عديدة كانت سوف تكون افضلاً حالاً لو انها كانت تستطيع جلب كل تلك الخبرات ولكنها لا تملك الاماكنيات المادية لهذا. نسجل نقطة اخرى من فوائد النفط التي لا تعد ولاتحصى


اين ذهب السعوديون؟ في البحث المذكور آنفاً تم التطرق الى الكيفية التي استثمرت بها الحكومة السعودية جزء كبير من عائدات النفط وذلك من خلال ضخها  في البيروقراطية الحكومية وتوسعت البيروقراطية لانها كانت بمثابة توزيع للحص من السلطة والمال. توسعت البيروقراطية الحكومية وهذا خلق فرصة كبيرة للسعوديين بان يشغلوا تلك الوظائف. ايضاً ذهب السعوديون لشغل الوظائف الامنية في الجيش والشرطة وغيرها وجميعها مؤسسات استفادت من الطفرة النفطية لتتوسع وتخلق وظائف اكثر وتجلب معدات وتقنيات عسكرية متطورة. البيروقراطية الحكومية هي احد نتائج تدفق النفط حتى من قبل الطفرة. ذكرنا انه تم انشاء مؤسسة النقد العربي السعودي تم تأسسيها في 1952 وكانت لها مقر وحيد فقط في جدة., ثم توسعت لاحقاً في الطائف ومكة والمدينة والدمام والرياض. مثال آخر, وزارة المعارف تم انشائها في 1951وقد كانت فقط للبنين, وبعد ذلك بحوالي عشر اعوام تم انشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات. لو ذهبت الى التعليم العالي سوف تجد ان اول جامعة كانت جامعة الملك سعود وتأسست في 1957 واول جامعة اهلية سعودية هي جامعة الملك عبدالعزيز في جدة, تم تأسيسها في عام 1966 , ومن ثم تم انشاء وزارة التعليم العالي في 1975 . تستطيع ان تلاحظ وتستنتج ان نواة الدولة المركزية السعودية تم وضعها في الخمسينات والستينات كاول كيان مؤسسي في جزيرة العرب بعد قرون طويلة من نمط الحياة القبلي. ظهور النفط وعائداته هي من ساهم في وضع لبنات هذا الكيان المؤسسي والذي كان من الصعب جداً ان يكون دون تلك العوائد. بدأت تظهر المسحة الدينية النفطية في أواخر السبعينات وهي عبارة عن تفاعل بين المدرسة السلفية التي يستمد الحكم شرعيته منها والعنصر الاخواني المصري المدرب والذي يجيد فن التنظيم وظهرت حركة الصحوة الاسلامية (هذا لايعني ان البعد الديني لم يكن موجود قبل النفط فحروب توحيد المملكة كانت تعتمد على بعد ديني ولكن اخذ البعد الديني شكلاً اكثر تطوراً من الناحية التنظيمية بوجود اموال النفط). العنصر الاخواني المصري اتى من مصر, ومصر قبل ان يطرد منها كانت مستعمرة من بريطانيا ولا شك ان هذا اضاف اليهم كما اضاف للمجتمع المصري ككل. يقال ايضاً " وفقاً للمؤرخ الامريكي وليام ونجدال" ان الاخوان تعاونوا مع النازيين في الحرب العالمية الثانية وتم انشاء اذاعة برلين لحث المسلمين لمقاتلة بريطانيا 4 . الشاهد ان الاخوان احتكوا بثقافات مختلفة مما اتاح لهم التعرف اكثر على اساليب التنظيم, وفي الاساس كان هناك حياة سياسية نشيطة في مصر في ايام الملكية قبل ثورة 1952 والتي جمدت الحياة السياسية في مصر منذ ذلك التاريخ. اتى الاخوان الى السعودية بعد خلافاتهم مع ناصر وتم تكوين الجسد الديني الحديث في السعودية بعقل سلفي وعضلات اخوانية وتمويل نفطي. وقد لعب الاخوان دوراً في تأسيس التعليم السعودي ومن ابرز قيادتاهم كان محمد قطب الذي لعب دوراً في حركة التعليم السعودية. جذبت الدعوة كثير من السعوديين وانخرطوا في العمل الدعوي وهذا العمل الدعوي شكل ثقافة البلاد على مدار العقود الثلاثة التالية. كانت الصحوة الاسلامية بمثابة عمل تنظيمي جديد لم يكن له سابقة, المقصد  ان الخطب والمحاضرات الدينية والشريط الديني وطريقة طرح المواضيع, جميعها امور لم يعرفها السعوديون من قبل. بالعودة الى الاقتصاد, كانت الصحوة الدينية بمثابة قناة او منفذ لعائدات النفط في السعودية وخصوصاً انها كانت تستخدم لتكون بمثابة قوة ناعمة للسعودية خارجياً وتعزز اللحمة الوطنية داخلياً في مجتمعات متفرقة عاشت حياة القبلية والانعزال لقرون


تستطيع ان تستنتج بوضوح ان فترة الخمسينات, الستينات والسبعينات كانت بمثابة الفترة التي تم فيها تأسيس الكيان المؤسسي في السعودية والتي اخذت على عاتقها تحويل الاقتصاد من اقتصاد شبه بدائي الى اقتصاد حديث. النفط كان القلب  لهذا التحول التاريخي في الجزيرة العربية التي لم تعرف رغد عيش مثل هذا من قبل. تركت المهن القديمة التي كانت تتمثل في الرعي والزراعة والصيد وتحول السعودي الى التعليم وشغل الوظائف البيروقراطية او الامنية التي تتطلب حداً معيناً من التعليم. اخذت العمالة الوافدة على عاتقها تقديم الخدمات الاستهلاكية للسعودي وتمركز النشاط الاقتصادي الحقيقي حولها. السعودية اليوم لاتستطيع ان تسيير امورها الاقتصادية داخلياً بدون اليد العاملة الاجنبية. لو تخيلنا سيناريو سعودية خالية من اليد العالمة الوافدة ستكون النتيجة سعودية مشلوله اقتصادياً لايمكن ان تعمل ليوم واحد. من هنا نستطيع ان نفهم لماذا تتعثر برامج السعودة ونتائجها دائماً ضعيفة. برامج السعودة تعتمد في وجودها على قرار بيروقراطي, بينما اليد العالمة الوافدة تعتمد في وجودها على حاجة اقتصادية ملحه. الحاجة الاقتصادية هي من تتجلى في الواقع بينما القرار البروقراطي قد يكون مجرد حبر على ورق وهو تقريباً كذلك في حالة السعودة. مايجعل اليد العالمة الوافدة حاجة وواقع اقتصادي عدة اسباب ويمكن تلخيصها في التالي. اولاً: عدم وجود البديل السعودي الذي يستطيع ان ينافس هذه اليد العاملة اقتصادياً من ناحية تدني معدل الاجور في احيان كثيرة, وايضاً المنافسة من حيث الالتزام بمتطلبات العمل من الناحية الفنية مثل العمل لساعات طويلة, المهارات الفنية للعامل الاجنبي في العمل اليدوي. ثانياً: ان البيروقراطية الحكومية لازالت جذابة للسعودي فهي توفر وظائف برواتب جيدة في احيان وجيدة جداً وممتازة في احيان اخرى. ايضاً نوعية العمل البيروقراطي او العمل التربوي او الامني مقبول اجتماعياً وهذا لايتوفر مع الاعمال التي تقوم بها العمالة الوافدة. على سبيل المثال, كان هناك استنكار على وزارة العمل لانها وظفت نساء في مجال السباكة. هذه الحالة الاجتماعية نادرة عالمياً وقد تختص بها فقط دول الخليج النفطية. في امريكا مثلاً وهي الاقتصاد الاكبر عالمياً تجد ان الامريكيين يعملون في مهن مثل السباك والحلاق وعامل النظافة والخباز سواء ذكور او اناث. الاقتصاد الريعي النفطي خلق حالة اجتماعية تستنكر بعض الوظائف والاعمال وهي حالة استثنائية. لايمكن فهم لماذا هناك عدم قبول اجتماعي لمثل هذه الوظائف دون الرجوع الى الاسس والمرتكزات التي تأسس عليها الاقتصاد السعودي الحديث. هو اقتصاد تمركز حول ثروة طائلة من عوائد النفط وهذا جعل السعودي مثل ابن التاجر الثري (وان كان فقط تعبير مزاجي عن حالة عامة, لايمكن انكار ان هناك سعوديون يكافحون في كل يوم من اجل تأمين المستلزمات الحياتية ولكن لاتزال معدلات الفقر منخفضه نسبياً في السعودية). بالعودة الى مثال ابن التاجر, لو افترضنا انه عندما بلغ هذا الابن سن الاربعين وقد عاش جل حياته مرفه وطلب منه ان يقوم باعمال لايعرفها او لم يعتد عليها هل من الممكن ان ينجح؟ هذا الحال مع السعودة وهذا تشبية مجازي يختزل صورة ضخمة وكبيرة جداً. هناك في الاقتصاد ما يسمى بالعوامل الخارجية. مثلاً المصنع الذي يبعث الكربون من مداخنه, التلوث يسمى عامل خارجي. العوامل الخارجية قد تكون بيئية او اجتماعية. انعكاسات الاقتصاد الريعي النفطي وتكديس البلاد باليد الاجنبيط العاملة احدث تأثير مشابه لتأثير العوامل الخارجية وهو تعطيل واضعاف اليد السعودية العاملة وجعل السعودي معتمداً في حياته على اليد العاملة الوافدة. ثالثاً: جعل النفط السعودية سوق كبير لللإستهلاك مما اتاح للسعودي ان يتجه الى المجال التجاري, سواء في اعمال الاستيراد او المشاريع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تقدم خدمات استهلاكية, وهي اعمال مردوداتها المالية كبيرة وغير مكلفة كثيراً, فالسعودية بلد بلا ضرائب الى حد اللحظة مما يجعل تكاليف العمل التجاري منخفضةة نسبياً. رابعاً: العمل في المجال الثقافي جذب كثيرين من السعوديين لما به من مكانه اجتماعية مرموقة وعوائد مالية جيدة في اغلب الاحوال. يمكن ادراج مجال العمل الديني تحت هذه الخانة, فهو عبارة عن سلعة ثقافية تقدم لجمهور من المستهلكين يزيد الطلب عليها او ينقص. المجال الثقافي يشمل العمل في الاعلام, التأليف والنشر وغيرها من الامور الثقافية وهي من الاشياء التي بها نسب عالية من السعودة, بل ان هناك فائض وخصوصاً في المجال الديني في عدد السعوديين الذين يعلمون به, لذا تستطيع السعودية ان تصدر رجال دين للخارج.  عندما نناقش موضوع النفط في قصة السعودية, نحن لا نناقش مجرد سلعة, بل هي حالة اجتماعية وسياسية واقتصادية شكلت السعودية على ماهي علية. شكلتها سياسياً بحكم ملكي وراثي في الداخل يعتمد على الاقتصاد الريعي والذي يجعل الدولة اغنى واقوى من المواطن, وهي لاتحتاج اليه لتأخذ منه ضرائب بل هي من يصرف عليه وهذا يتيح لها ان تكون سلطة مطلقة, وقوة اقليمية تستطيع ان تؤثر في المشهد الاقليمي, واجتماعياً بحالة دينية قد تكون اقرب الى الاستثناء في عالم اليوم من حيث الغرابة وعدم مجاراتها للعصر مع وجود طرف يقاوم ويحاول تغيير هذا الوضع الثقافي المتدين جداً وادخال عناصر عصرية علية مثل التوسع في مجال حقوق الفرد و المرأة وغيرها من المواضيع التي تأخذ شكل الصراع الثقافي في احيان كثيرة. وشكلتها اقتصادياً بحالة اقتصاد استهلاكي يعتمد في كل شي على الغير بداية من الاستيراد حتى تقديم الخدمات الخاصة بالمنتج. اليوم هنالك حديث عن سعودية مختلفة وجديدة عن ماكانت علية في العقود السابقة تتمثل بخطة التحول الوطني, ويبدوا ان النفط ايضاً لازال اللاعب الاقوى في السعودية فهذه الخطة وجدت لتبعد الاقتصاد السعودي ولو شكلياً عن النفط وان كان الامر واقعياً اقرب الى الخيال ان تستغني السعودية عن النفط في بضع سنوات

 

 المصادر 

The political economy of petro-dollar recycling in Iran and Saudi Arabia in the 1970s

بالصور.. تعرف على محافظي مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" منذ نشأتها إلى اليوم؟

OIL INDUSTRY

 

Tuesday, September 6, 2016

النفط كيف ربطنا ولا زال يربطنا بالعالم

بن عاتق
 9/6/2016
اضافة 2/15/2017
السعودي الذي لا يعرف كثيراً عن النفط و حجم التأثير الذي تركه على حياته هو مثل الشخص الذي يجهل ولا يعرف تاريخ ابيه. هذا الشخص الذي يجهل تاريخ ابيه يفتقد لمعرفة مصدر من المصادر التي صاغت شخصيته واعادة تشكيل هويته من شخص يقاسي حياة شاقة في قلب هذه الصحراء الى شخص ربما يكون من اكثر الاشخاص المترفين في العالم. جميع البشر يتأثرون بالبيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي نشأوا منها وبها, والحال كذلك مع النفط في قصة السعودية كونه عامل محوري في الحياة الحديثة على هذه الارض فهو اي النفط اعاد تشكيل الحياة في الجزيرة العربية على تلك المستويات الثلاثة ولم يقتصر اثره على البعد الاقتصادي فقط. النفط هو من اكبر العوامل التي صاغت الدولة السعودية الثالثة, سواء ككيان مؤسسي (مثل انشاء الدولة المركزية) التي لم تثبت اركانها وتصبح قادرة على الوقوف على قدميها الا بعد ان بدأت تتدفق اليها اموال النفط وخصوصاً في فترة السبعينات وذلك حولها من حكومة فقيرة صغيرة الى حكومة اكبر واغنى تستطيع ان تقدم الخدمات الاساسية للسكان مثل الكهرباء,المياه, التعليم والرعاية الصحية.وكان للنفط تأثير سياسي في اعادة كتابة العقد الاجتماعي والسياسي في السعودية وخصوصاً بعد طفرة النفط في 1973 التي ولد منها الاقتصاد الريعي بحيث تكون ملكية مطلقة من جانب ومن جانب اخر تتعهد الدولة بتوفير حياة الرخاء للمواطنين. ايضا ساهم النفط في صناعة التوجة الاقتصادي لانسان الجزيرة العربية وحول البلاد من بلد يعيش معظم سكانها على انماط اقتصادية قديمة مثل الرعي, الصيد, الزراعة والتجارة على مستويات صغيرة الى اقتصاد حديث في شقة الاستهلاكي (وليس الانتاجي) يملك احتياطات ضخمة من العملة الصعبة التي جعلته قادراً على ان يستورد كل شي يحتاج اليه من المنتجات العصرية الحديثة. تاريخياً عرفت الجزيرة العربية خطوط التجارة منها واليها, ولكنها لم تصل في اي يوم من الايام على مدار التاريخ الى ذلك المستوى من حجم الاندماج في الاقتصاد العالمي كالذي وصلت اليه بعد اكتشاف الذهب الاسود في هذه الصحاري. سلعة النفط خصائص اقتصادية تمكنها من لعب دور الرابط للسعودية مع الاسواق العالمية. هذا المقال يحاول شرح كيف استطاع النفط من الناحية الاقتصادية ربط الجزيرة العربية بالعالم
  
اذا اردنا ان نفهم كيف ربطنا النفط بالحياة العصرية علينا ان نعرج على مبادئ اقتصادية اساسية تشرح كيف تعمل الاسواق الدولية والتي هي شرايين الاقتصاد الدولي. اقتصادياً, هنالك نوعان من البضائع والخدمات: هما
 tradable and nontradable 
بضائع وخدمات قابلة للتدوال والتجارة وبضائع وخدمات غير قابلة للتجارة. ماهي البضائع القابلة للتجارة وكيف يتم التعرف عليها؟ هي ببساطة تلك البضائع والخدمات التي تستطيع تصديرها الى الاسواق العالمية ومبادلتها هناك. مثال على ذلك, النفط, السيارات, الطائرات, بعض الاغذية والمشروبات مثل الرز والقهوة, الادوات الالكترونية مثل الحواسب واجهزة الاتصال, الملابس, الادوات الكهربائية , بعض المنتجات الزراعية والحيوانية. ببساطة انظر حولك الى اي منتج استهلاكي وان وجدت عليه صنع في الصين, اليابان,المانيا, امريكا, او اي دولة اخرى هذا يعني انها بضاعة قابلة للتدوال. الامر ليس مقتصر على المنتجات الصناعية بل حتى منتجات الغذاء مثل الخضار والفواكة تدخل في هذا مثل التفاح الامريكي او الزيتون الاسباني وهلم جر. البضائع الغير قابلة للتدوال هي تلك البضائع والخدمات  التي لايمكن تصديرها الى السوق العالمية ويتم استهلاكها فقط في السوق المحلي. أمثلة على البضائع والخدمات الغير قابلة للتدوال, عمل الحلاق, الطبيب,المعلم الذي يدرس في مدرسة الحي, الخدمات التي يقدمها جهاز الحكومة البيروقراطي,الخدمات التي يقدمها الميكانيكي الذي يصلح سيارتك, عامل النظافة, البقال,شقق الايجار,المصانع المحلية التي يستهلك انتاجها في الداخل مثل مصانع الورق والمناديل والبلاستك وغيرها. جميع هذه الخدمات والبضائع تستهلك في مكانها ولايمكن تصديرها ومبادلتها. انت لاتستطيع ان تصدر عمل الحلاق الى الخارج, نعم قد تستطيع ان تصدر اليد العاملة ولكن لاتستطيع تصدير العمل نفسه. انت لا تستطيع ان تصدر الفندق او شقة الايجار الى الخارج ولكن من الممكن ان تحولها الى خدمة قابلة للتدوال عن طريق جلب سياح من الخارج يدفعون لك بالعملة الصعبة. كثير من البضائع والخدمات كانت غير قابلة للتدوال قبل الثورة التنكولوجية في مجال النقل والحفظ والتخزين ولكنها اصبحت قابلة للتداول بعد تلك الثورات. اليوم تستطيع ان تأكل برتقال زرع في كاليفورنيا, قبل قرن من الزمان او حتى اقل كان هذا امراً مستحيلاً.  البضائع الغير قابلة للتدوال لاتجلب ثروة من الخارج والتي هي الوقود الاساسي في حركة التجارة العالمية. الدول والشركات  تدخل الى الاسواق الدولية ببضائع مرغوب بها قابلة للتدوال وعن طريق التبادل يحصل كل طرف على مايريد

اكبر اقتصادات في العالم هي تلك الاقتصادات التي لديها النوع الاول من البضائع وهي البضائع القابلة للتداول. انتاج هذا النوع من البضائع مفيد اقتصادياً من عدة جوانب فهو, سوف يخلق طلب على منتجات الدولة وهذا يساعدها على خلق وظائف, ايضاً هذا النوع من البضائع يوفر العملة الصعبة والذي يمكن الدولة من استيراد بضائع وخدمات اخرى قد لا تكون متوفرة في السوق المحلية. اما البضائع الغير قابلة للتدوال فهي بضائع تنتج وتستهلك محلياً وداخلياً ولايمكن الاستفادة منها في المبادلة في السوق الدولية.اذا نظرت الى اكبر اقتصادات العالم سوف تجدها جميعاً دون استثناء تملك عدد لا بأس به من البضائع القابلة للتدوال. مثلاً التوجة الى اقتصاد ينتج بضائع قابلة للتدوال حول امة مثل الصينية من امة تعاني الفقر حتى الستينات الى ثاني اكبر اقتصاد في العالم ومرشحة الى ان تكون اكبر اقتصاد في العالم في العقد القادم. الصين تحولت الى ورشة ومصنع العالم وهذا بسبب تخصيص اقتصادها لانتاج بضائع تستهلك محليا وخارجياً وتعتمد على تصدير كل شي من الممكن ان يستهلك في خارج الحدود. ليس الامر مقتصر على الصين بل حتى الهند ها هي تنمو اقتصادياً, حيث استطاعت ان تجد لها منفذ الى الاسواق العالمية. لو كان الاقتصاد الصيني والهندي ينتج ويستهلك فقط داخلياً لما استطاع ان يكبر وينمو ويتوسع الا اذا كان يملك كافة الموارد من نفط وكل ماتحتاجه الصناعة من مواد اولية وهذا امر في غاية الصعوبة ان تكتفي ذاتيا وتنعزل عن العالم. هذه الامم كانت فقيرة لقرون عندما كانت اقتصاداتها محلية محصورة في التبادل المحلي واقتصاداتها كانت في الغالب زراعية بسيطة.العولمة وتصغير حجم الكوكب فتح الباب امام التجارة الدولية وهذا ما افاد امم كثيرة في ان تخرج الى السوق الدولية وتطور من اقتصاداتها وتندمج اكثر في الاقتصاد الدولي. على النقيض انظر الى اي امة او بلد فقير, سوف تجد ان هذا البلد لا يملك من البضائع او الخدمات او حتى الموارد الطبيعية ما يجعله قادراً على دخول السوق الدولية والمتاجرة هناك وجلب العملة الصعبة لينتعش اقتصاده ويرفع من مستوى معيشة السكان. ماذا تصدر دولة مثل افغانستان, الصومال, اليمن, الاردن, مصر والمغرب على سبيل المثال؟ هذه الدول لا تملك صناعة او موارد طبيعية بكميات تجعلها تدخل السوق العالمية وتنافس الاقتصادات المتطورة في الشرق والغرب. بطبيعة الحال, التصدير وحده لا يجعل تلك الامة غنية او فقيرة ولكن هي منظومة سياسية واقتصادية متكاملة تجعل من ذلك البلد في اوضاع اقتصادية جيدة او سيئة. بعض دول افريقيا تملك من الموارد الطبيعية ما يكفي لتجعلها امم غنية ولكن سوء توزيع الثروة ادى بتلك الامم الى ان تكون فقيرة وتدخل في صراعات اهلية تستنزف ثرواتها.

لحسن حظ السعودية انها تمتلك في باطن ارضها بضاعة من اكبر البضائع القابلة للتدوال في السوق العالمية وهي النفط. السعودية تمتلك وفق بعض التقديرات ربع احتياطي العالم من النفط.  عصب الصناعة الحديثة في القرن العشرين كان النفط, وقد تم بناء الصناعة الحديثة حول النفط كطاقة تعمل بكفاءة وفعالية عالية. وايضاً من حسن حظ السعودية مرة اخرى ان الطلب على النفط كان في تصاعد في القرن العشرين وخصوصاً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية
  
رسم بياني يوضح ارتفاع استهلاك النفط منذ عام 1965 حتى عام 2011 في الدولة النامية

النفط خلق للسعودية مكان في السوق العالمية وربطها بالاقتصاد العالمي وهو العامل الوحيد الذي يمكنه فعل ذلك. وفقاً لموقع او اي سي في عام 2014 قدرت صادرات المملكة بحوالي 306 مليار دولار وواردتها بحوالي 146 مليار دولار. شكل النفط الخام الحصة الاكبر من الصادرات بحوالي 232 مليار دولار في ذلك العام, النفط المكرر 19.8 مليار دولار والبقية اتت من المشتقات البتروكميائية وهي حصص ضئيلة مقارنة بالنفط الخام. هذه هي بضاعة السعودية الوحيدة القابلة للتدوال في السوق العالمية وهي السبب في كون السعودية تحتل الترتيب 15 من حيث اكبر اقتصادات العالم المصدرة. واردات السعودية تمثل السيارات فيها حوالي نسبة 10% والنفط المكرر حوالي نسبة 7% وسيارت النقل وغيرها مما نستهلكه من المستوردات. المقارنة مع دولة اخرى قد تعطي صورة اوضح حول هذا الامر. لنأخذ على سبيل المثال المانيا, في عام 2014, قدرت قيمة الصادات الالمانية بحوالي 1.41 تلريون دولار وقيمة الواردات بحوالي 1.13 تلريون دولار. اكبر صادرات المانيا الى السوق العالمية كانت السيارات بقيمة 163 مليار دولار,قطع السيارات بحوالي 62 مليار دولار, الادوية بحوال 52 مليار دولار. واردات المانيا يحتل النفط الخام اكبر حصه منها بحوالي 53.3 مليار دولار والنفط المكرر بحوالي 31.1 مليار دولار. نلاحظ ان هنالك تنوع في الاقتصاد الالماني في انتاج البضائع القابلة للتدوال مثل السيارت وقطعها والادوية وهذا مايعزز حصة المانيا في السوق العالمية, بينما ينحصر الاقتصاد السعودي في بضاعة وحيدة وهي النفط. استطيع ان اقوم بعمل مقارانات مع دول اخرى كما حصل مع المانيا ولكن سوف نصل الى نفس النتيجة وهي اقتصاد متنوع في مقابل اقتصاد يعتمد على سلعة واحدة
هذه اللمحة السريعة والموجزة عن دور النفط في الاقتصاد السعودي من المفترض ان تحثنا على طرح اسئلة تتعدى المجال الاقتصادي وتذهب الى السياسة والثقافة. احد اشكالات النفط والتي قد تعيق التطور ان الدور البشري في انتاجة محدودة فهو يوجد كما يقول البعض من خلال الصدفة الطبيعية وهذا قد يعيق من تطور القوى العاملة في بلد يعتمد اعتماد كلي على النفط. لو عدنا الى مثال المانيا, صناعة السايارت والدواء تحتاج بل تعتمد اساساً على العقل واليد البشرية في انتاجها وهذا يساعد على صقل وتطوير القوى العاملة ونحن نرى بوضوع لا تخطئه العين كيف تطورت الصناعة بشكل صاروخي في القرن العشرين "فقط انظر الى المنتجات قبل 10 سنةات وكيف هي الان". في السعودية ليس متاح ان تتطور القوى العاملة او لاتوجد الحاجة الاقتصادية لتطويرها طالما ان النفط يقوم بالمهمه. امر آخر على علاقة بالموضوع: نلاحظ ايضاً ان اليد العاملة في السعودية هي عمالة خارجية وهي تنتج بضاعة غير قابلة للتدوال ايضاً. معظم اسهام العمالة الوافدة الى السعودية هو اسهام  لغرض الاستهلاك المحلي فقط. ماتقوم به العمالة هو اعادة تحويل الثروة من الداخل الى الخارج. ماذا ينتج السائق المنزلي,الخادمة,البقال او الحلاق؟ جميعها خدمات تستهلك في اللحظة واستهلاكها نابع من وجود النفط كبضاعة توفر لنا العملة الصعبة التي نستطيع ان ندفع بها للحصول على هذه الخدمات لنستهلكها. 

في الختام لا يمكن تخيل كيف هي حياتك اليوم بدون النفط وكيف ان هذه السلعة اعادة صياغتك على المستوى الفردي او المستوى الجماعي كشخص من الجزيرة العربية سواء كنت سعودياً, كويتياً, قطرياً او من الامارات . انت تملك النفط وهذا يجلب المرسيدس والايفون والبوينج. سوف اقوم بطرح مثال لتبسيط الصورة اكثر. مثلاً ماذا ينتج السعودي ليركب المرسيدس او يستخدم الايفون؟ مثلاً الالماني سوف يصنع المرسيدس ويرسلها للولايات المتحدة ويحصل على الدولار مقابل بيعها هناك وهذا سوف يعطيه المال لشراء الآيفون. الياباني سوف يرسل التويوتا او النسيان الى الولايات المتحدة ويحصل على الدولار ويشتري الايفون. الصيني سوف يرسل البضائع الصغيرة مثل المكنسة الكهربائية او الفرن الآلي الى المانيا ويحصل على اليوروهات (من عملة اليورو) ويشتري بتلك اليوروهات سيارة المرسيدس او الفولكس واجن او اي منتج الماني. استطيع ان اضرب امثلة لاحصر لها. للعودة الى ذلك السؤال والسعودي ماذا سوف ينتج ليحصل على المرسيدس او الايفون او التويوتا؟ انه النفط ولا غيره. نحن لا نحصل على تلك المنتجات من السوق الدولية الا بسبب اننا نملك النفط, لو لم نملك النفط لربما كان استخدام تلك التقنيات من الاحلام ( لاتصدق؟! انظر الى اي بلد حولك غير نفطي وقارنه ببلد نفطي اخر من حيث مستوى معيشة السكان)  . النفط وفر لنا العملة الصعبة التي مكنتنا من الدخول الى الاسواق الدولية وشراء ما نحتاج الية. تذكر عندما تركب سيارتك او تستخدم هاتفك فانك حصلت على هذه المزايا مقابل عدة براميل من النفط وليس بسبب الجهد الذي بذلته في العمل او بسبب مستوى الانتاجية الذي تملكه, ولو كان الامر يقاس بالجهد والانتاجية لما تمكنت انا من استخدام هذه التقنية في كتابة هذا الموضوع ولما تمكنت انت من قراءة هذا الموضوع لان الجهد والانتاج المبذول لا يكفي لصناعة شي ثمين يمكن مبادلته للحصول على هذه التقنية. ميزة سلعة النفط الاقتصادية هي السر في اعطائنا القدرة على جلب ما نريد. لو كان الامر يخضع للانتاجية لوجدنا دولاً فقيرة في مستوى افضل حيث يعمل السكان هناك لساعات عمل طويلة مقابل دولار او اقل في اليوم. هو النفط

المصادر

Thursday, September 1, 2016

ماهو الاقتصاد السلوكي؟


جودي بيجز
خبير اقتصادي
نوفمبر 30-2015
ترجمة بن عاتق

الاقتصاد السلوكي, بطريقة ما, هو تقاطع علم النفس مع علم الاقتصاد. (في الواقع فان السلوك في الاقتصاد السلوكي يمكن وصفة بانه تماثل للسلوك في علم النفس السلوكي). من جهة, تفترض النظرية التقليدية الاقتصادية ان الناس عقلانيون, صبورين, روبوتات اقتصادية صغيرة تتقن حسابياً وتعرف بموضوعية ماهو الشي الذي يجعلهم سعداء ويقومون بالاختيارات تلك التي توسع من سعادتهم الى الحد الاقصى. ( حتى لو ان بعض الاقتصاديين التقليديين يعترفون ان الناس ليسوا بشكل مثالي يستطيعون توسيع منافعهم الى الحد الاقصى). الاقتصاديون المهتمين بالاقتصاد السلوكي, من جانب آخر, يعرفون جيداً- انهم يستهدفون تطوير نماذج التي تمثل الحقائق تلك التي تقول ان الناس مماطلين, ليسوا صبورين, وليسوا دائما اصحاب قرارات سليمة عندما تكون القرارت صعبة ( وفي بعض الاحيان يتجنبون اتخاذ القرارت بشكل كامل), يخرجون من طريقهم ليتجنبون مايعتقدون انه قد يكون خسارة, ويهتمون باشياء مثل العدل بالاضافة الى المنفعة الاقتصادية, وقرارتهم تخضع للتحيزات النفسية والتي تجعلهم يفسرون المعلومات بطريقة منحازة, وهلم جر


هذه الانحرافات من النظرية التقليدية ضرورية اذا اراد الاقتصاديون ان يفهموا تجريبياً كيف يقوم الناس بعمل قراراتهم حول مالذي سوف يستهلكون, او كم سوف يدخرون, والجهد الذي يبذلونه في العمل, ومدى التعليم الذي ينبغي ان يحصلوا عليه, الخ. علاوة على ذلك, لو ان الاقتصاديون يفهمون التحيزات التي يبديها الناس والتي تقلل من سعادتهم الموضوعية, لتمكن الاقتصاديين من وضع قبعة صغيرة سواء كانت الزامية او معيارية في اي سياسة او في النصح حول الحياة العامة


من الناحية الفنية, تم الاعتراف بالاقتصاد السلوكي لاول مرة في القرن الثامن عشر من قبل ادم سميث, عندما اشار الى ذلك ان النفس البشرية لاتخلوا من العيوب وبالتالي تلك العيوب في الشخصية البشرية قد تؤثر على قرارات الشخص الاقتصادية. تم نسيان تلك الفكرة تقريباً, ومع ذلك حتى فترة الكساد العظيم, عندما قام اقتصاديون مثل إيرفينغ فيشر وباريتو  في التفكير في ان العامل "البشري" في عملية صنع القرار الاقتصادي قد يكون تفسير محتمل لانهيار سوق البورصة في عام 1929 والأحداث التي جرت بعد

تولى الاقتصادي هيربرت سيمون رسيماً قضية الاقتصاد السلوكي في علم 1955 عندما صاغ المصطلح "العقلانية المحدودة" كوسيلة للاعتراف بان البشر لايملكون قدرات لانهائية في صنع القرارات (اعتقد يقصد ان قدرتهم في اتخاذ القرارت النهائية محدودة). للأسف، كانت أفكار سيمون لا تمنح في البداية الكثير من الاهتمام (على الرغم من سيمون ربح جائزة نوبل في عام 1978) حتى بضعة عقود من الزمان في وقت لاحق


ويعتقد في كثير من الأحيان  ان الاقتصاد السلوكي كحقل كبير من البحوث الاقتصادية قد بدأ مع عمل علماء النفس دانيال كاهنمان وعاموس تفيرسكي. في عام 1997, نشر العالمان ورقة بعنوان " نظرية الاحتمال" وهي اطار عمل حول الكيفية التي يأطر بها الناس النتائج الاقتصادية مثل الربح والخسارة وكيف يؤثر هذا التأطير على قرارت البشر واختياراتهم. نظرية الاحتمال, او فكرة ان الناس لايحبون الخسائر اكثر من محبتهم للربح, لا تزال واحدة من الركائز الاساسية للاقتصاد السلوكي, وهي تتفق مع عدد من التحيزات الملاحظة التي فشلت النماذج التقليدية للمنفعة والنفور من الخطر تفسيرها

قطع الاقتصاد السلوكي شوط طويل منذ العمل الاولي للعالمان كاهنمان وتفيرسكي- المؤتمر الاول للاقتصاد السلوكي عقد في جامعة شيكاغو في 1986, ديفيد لابسون اصبح رسمياً اول برفسور للاقتصاد السلوكي في علم 1994, وكرس ربع مجلة الاقتصاد الى قضية الاقتصاد السلوكي في 1999. يقول ذلك, ان الاقتصاد السلوكي لايزال حقل جديد جداً, لذلك هنالك الكثير لنتعلمه

المصدر
What Is Behavioral Economics?